على الحدوث والتجدد، ثم أتى في هذا النفي بعينه بصيغة اسم الفاعل الدالة على الوصف والثبوت، فأفاد في النفي الأول: أن هذا لا يقع مني، وأفاد في الثاني: أن هذا ليس وصفي ولا شأني، فكأنه قال: عبادة غيرِ اللهِ (ق/٥٤ ب) لا تكون فعلًا لي ولا وصفًا، فأتى بنفيين لحنفيَّين مقصودَيْن (ظ/ ٤٠ أ) بالنفي.
وأما في حقهم؛ فإنما أتى بالاسم الدال على الوصف والثبوت دون الفعل، أي: إن الوصف الثابت اللازم للعابد (١) لله منتف عنكم، فليس هذا الوصف ثابتًا لكم وإنما يثبت لمن خص اللهَ وحدَه بالعبادة لم يشرك معه فيها أحدًا، وأنتم لما عبدتم غيره فلستم من عابديه، وإن عبدوه في بعض الأحيان، فإن المشرك يعبد الله ويعبد معه غيره، كما قال أهل الكهف:{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ}[الكهف: ١٦] أي: اعتزلتم معبودهم إلا الله فإنكم لم تعتزلوه، وكذا قال المشركون عن معبودهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣]، فهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه غيره، فلم ينتف عنهم الفعل لوقوعه منهم، ونُفِيَ الوصفُ؛ لأن من عبدَ غيرَ اللهِ، لم يكن ثابتاً على عبادة الله موصوفًا بها.
فتأمل هذه النكتة البديعة، كيف تجد في طيها أنه لا يوصف بأنه: عابدُ الله وعبدُه والمستقيم على عبادته، إلا من انقطع إليه بكلِّيته وتبتَّل إليه تبتيلًا لم يلتفت إلى غيره ولم يشرك به أحدًا في عبادته، وأنه وإن عبده وأشرك به غيره؛ فليس عابدًا لله ولا عَبْدًا له، وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة، التي هي إحدى سورتي الإخلاص،