للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اختاره وقُبْح ما رضيه لنفسه من الحُسْن والبيان ما لا تجده في ذكر تقديم قسم نفسه. والحاكم في هذا هو الذوقُ، والفَطِنُ يكتفي بأدنى إشارة، وأما غليظ الفهم فلا ينجعُ فيه كثرةُ البيان.

ووجهٌ ثانٍ وهو: أن مقصود السورة براءته - صلى الله عليه وسلم - من دينهم ومعبودهم، هذا هو لبّها ومَغْزاها، وجاء ذكر براءتهم من دينه ومعبوده بالقصد الثاني مكملًا لبراءته ومحققًا لها (١)، فلما كان المقصود براءته من دينهم بدأ به في أولِ السورة، ثم جاء قوله تعالى {لَكُمْ دِينُكُمْ} مطابقًا لهذا المعنى، أي: لا أُشارككم في دينكم ولا أوافقكم عليه، بل هو دينٌ تختصون أنتم به لا أشرككم فيه أبدًا، فطابقَ آخرُ السورةِ أوَّلَها، فتأمَّلْهُ.

وأما المسألة الحادية عشرة وهي: أن هذا الإخبار (ق/٥٦ أ) بأنَّ لهم دينَهم وله دينه، هل هو إقرار فيكون منسوخًا أو مخصوصًا؟ أو لا (٢) نسخ في الآية ولا تخصيص؟.

فهذه مسألة شريفة من أهم المسائل المذكورة، وقد غلط في السورة خلائق وظنوا أنها منسوخة بآية السيف (٣)؛ لاعتقادهم أن هذه الآية اقتضت التقرير لهم على دينهم، وظن آخرون أنها مخصوصة بمن يُقرُّون على دينهم وهم أهل الكتاب، وكلا القولين غلط مَحْض، فلا نسخ في السورة ولا تخصيص، بل هي محكمة عمومها نصٌّ محفوظ، وهي من السور التي يستحيل دخول النسخ في مضمونها،


(١) (ق): "لذاته وتحقيقًا".
(٢) (ظ ود): "لولا".
(٣) وهي قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: ٥].