للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (٤٢)} [يس: ٤١، ٤٢] وأصحُّ القولين (١) أن المثلَ المخلوقَ هنا هو السفن، وقد أخبر أنها مخلوقة له (٢)، وهي إنما صارت سُفنًا بأعمال العباد. وأَبْعَدَ من قال: إن المثلَ هاهنا هو سفن البرِّ، وهي الإبل لوجهين:

أحدهما: أنها لا تُسَمَّى مثلًا للسفن؛ لا لغةً ولا حقيقةً، فإن المَثَلَين: ما سدَّ أحدُهما مسدَّ الآخر، وحقيقة المماثلة: أن يكون بين فُلْك وفُلْك لا بين جَمَل وفُلْك.

الثاني: أَنَّ قوله تعالى: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ} [يس: ٤٣] عَقِب ذلك دليلٌ على أن المراد الفلك التي إذا (٣) ركبوها قَدَرنا على إغراقهم، فذَكَّوهم بنِعَمِه عليهم من (٤) وجهين. أحدهما: ركوبهم إياها، والثاني: أن يُسَلِّمهم عند (ظ/ ٤٥ ب) ركوبها من الغرق.

ونظير هذا الاستدلال -أيضًا- قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ (ق/٦١ ب) ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النحل: ٨١] والسرابيل هي: الثياب التي يلبسونها، وهي مصنوعة لهم، وقد أخبر بأنه سبحانه هو جاعلها، وإنما صارت سرابيل بعملهم، ونظيره قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا} [النحل: ٨٠] والبيوت التي من جلود الأنعامِ هي: الخيام، وإنما صارت بيوتًا بعملهم.


(١) من (ق).
(٢) من (ق).
(٣) سقطت من (ق).
(٤) (ق): "نعمته عليهم بها ... "!