أرادوا حرفًا يكون علامة على الاسم الظاهر المستغنى عن ذكره، كان أولى الحروف بذلك: حرفًا من الاسم، وهو يختلف كما تقدم، فأخذوا من الاسم ما لا تختلف الأسماء فيه في حال الرفع، وهى الضمة، وهي لا تستقلُّ بنفسها ما لم تكن واوًا، ثم رأوا الواو لا يمكن تَعَاقُب الحركات عليها؛ لثقلها وهم يحتاجون إلى الحركات في هذا الضمير، فرقًا بين المتكلِّم، والمخاطَب المؤنث، والمخاطَب المذكر، فجعلوا "التاء" مكان "الواو"؛ لقربها من مخرجها، ولأنها قد تبدل منها في كثير من الكلام؛ كـ "تُرَاث وتُخَمة". فاشترك ضمير المتكلم والمخاطب في "التاء"، كما اشتركا فى "الألف والنون" من "أنا" و"أنت"؛ لأنهما شريكان في الكلام، لأن الكلام من حيث: كان للمخاطَب (ق/ ٧١ ب) كان لفظًا، ومن حيث كان للمتكلِّم كان معنًى. ثم وقع الفرق بين ضميريهما بالحركة دون الحروف، لما تقدم.
وأما ضمير المخاطَب نصبًا وجرًّا؛ فكان "كافًا" دون "الياء"؛ لأن الياء قد اختص بها المتكلِّم نصبًا وخفضًا، فلو أمكنت فيه الحركات أو وُجد ما يقوم مقامها في البدل كما كانت التاء مع الواو، لاشترك المخاطَب مع المتكلم في حال الخفض، كما اشترك معه في التاء في حال الرفع، فلما لم يكن ذلك ولم يكن بُدٌّ من حرف يكون علامةً إضمار كانت الكاف أحق بهذا الموطن؛ لأن المخاطبين وإن اختلفت أسماؤهم الظاهرة فكل واحدٍ منهم مُكَلَّم ومقصود بالكلام الذي هو اللفظ، ومن أجله احتيج إلى التعبير بالألفاظ عما في النفس، فجعلت الكاف (١) المبدوء بها في لفظ الكلام علامة إضمار المخاطب، ألا تراها لا تقع علامة إضمار له إلا بعد كلام كالفعل والفاعل، نحو: