للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرب تعالى، لا يبقى منها معنى لغيره، بل هو أول كما أنه هو آخر، وظاهر كما أنه باطن. ولا يناقض بعضها بعضًا في حقِّه، فكان دخول الواو صَرْفًا لوهم المخاطب -قبل التفكر والنظر- عن توهم المحال. واجتماع (١) الأضداد؛ لأن الشيءَ لا يكون ظاهرًا باطنًا من وجهٍ واحد، وإنما يكون ذلك باعتبارين، فكان العطف هاهنا أحسن من تركه لهذه الحكمة، هذا جواب السهيلي (٢).

وأحسن منه أن يقال: لما كانت هذه الألفاظ دالة على معانٍ متباينة، وأن الكمال في الاتصاف بها على تبايُنِها أتى بحرف العطف الدال على التغاير بين المعطوفات، إيذانًا بأن هذه المعاني مع تباينها فهي ثابتة للموصوف بها.

ووجه آخر وهو أحسن منهما (ظ/ ٥٧ أ) وهو: أن الواو تقتضي تحقيق الوصف المتقدم وتقريره، فيكون في الكلام متضمِّنًا لنوع من التأكيد من مزيد التقرير، وبيان ذلك بمثال نذكره مرقاة إلى فهم ما نحن فيه: إذا كان لرجل -مثلاً- أربع صفات هو: عالم وجواد وشجاع وغني، وكان المخاطَب لا يعلم ذلك أو لا يقر به، ويعجب من اجتماع هذه الصفات في رجل، فإذا قلتَ: زيد عالم، وكأنَّ ذهنه استبعد ذلك، فتقول: وجواد، أي: وهو مع ذلك جواد، فإذا قدَّرتَ استبعاده لذلك، قلت: وشجاع، أي: وهو مع ذلك شجاع وغني، فيكون في العطف مزيد تقرير وتوكيد لا يحصل بدونه، تدرأ به توهم الإنكار.

وإذا عرفت هذا؛ فالوهم قد يعتريه إنكار لاجتماع هذه المقابلات في


(١) (ظ ود): "واحتمال".
(٢) في "نتائج الفِكْر": (ص/ ٢٣٩).