للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: -وهو ألطف- أن يكون الترتيب ترتيب تفصيل على جملة، فذكر الإهلاك، ثم فَصَلَه بنوعين: أحدهما: مجيء البأس بياتًا -أي: ليلاً- والثاني: مجيئه وقت القائلة، وخَصَّ هذين الوقتين؛ لأنهما وقت راحتهم وطمأنينتهم، فجاءَهم بأسُ اللهِ أَسْكَن ما كانوا وأَرْوَحَه، في وقت طمأنينتهم وسكونهم، على عادته -سبحانه- في أخذ الظالم في وقت بلوغ آماله (١)، وفرحه وركونه إلى ما هو فيه.

وكذلك قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا} [يونس: ٢٤] والمقصود: أن الترتيب هنا ترتيب التفصيل على الجمل، وهو ترتب علمي لا خارجي، فإن الذهن يشعر بالشيء جملة أولاً، ثم يطلب تفصيله بعد ذلك، وأما (ق/ ٧٧ ب) في الخارج فلم يقع إلا مُفَصَّلاً، فتأمَّل هذا الموضع الذي خفي على كثير من الناس، حتى ظن أن الترتيب في الآية كترتيب الإخبار، أي: أنا أخبرناكم بهذا قبل هذا.

وأما قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: ٩٨] فعلى ما ذكرنا من التعبير عن إرادة الفعل بالفعل هذا هو المشهور.

وفيه وجه ألطف من هذا، وهو: أن العربَ تعبِّر بالفعل عن ابتداء الشروع فيه تارة، وتعبر به (٢) عن انتهائه تارة، فيقولون: فعلتُ عند الشروع، وفعلتُ عند الفراغ، وهذا استعمال حقيقيٌّ، وعلى هذا فيكون معنى "قرأت" في الآية ابتداء الفعل، أي: إذا شرعتَ وأخذتَ في القراءة فاستعد، فالاستعاذة مرتبة على الشروع الذي هو مبادئ


(١) (ظ ود) زيادة: "وكرمه".
(٢) (ق): " ... فيه وتعبّر به عن ... "، و (ظ ود): "فيه تارة وتعبر عن ... ".