للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنك أخبرت أولًا عما توهمته، ثم أدركَك الشكُّ فأضربتَ عن ذلك الإخبار، وإذا وقع بعد "أم" هذه الاسم المفرد، فلابدَّ من تقدير مبتدأ محذوف وهمزة استفهام، فإذا قلت: إنها لإبل أم شاء؟ كان تقديره: لا، بل أهي شاء؟ وليس الثاني خبرًا ثبوتيًّا كما توهمه بعضهم وهو من أقبح الغلط! والدليل عليه قوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} [الطور: ٣٩] وقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ} [الزخرف: ١٦] وقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} [الطور: ٤٣] {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطور: ٣٨] {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} [الصافات: ١٥٦] {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} [الطور: ٣٥] فهذا ونحوه يدلك على أن الكلام بعدها استفهام محض، وأنه لا يُقدّر بـ "بل" وحدها، ولا يُقَدَّر -أيضًا- بالهمزة وحدها؛ إذ لو قُدِّر بالهمزة وحدها لم يكن بينه وبين الأول علقة؛ لأن الأول خبر، و" أم" المقدرة بالهمزة وحدها لا تكون إلا بعد استفهام فتأمله.

هذا شرح كلام النحاة وتقريره في هذا الحرف. والحقُّ أن يُقال: إنها على بابها وأصلها الأول من المعادلة والاستفهام حيث وقعت وإن لم يكن قبلها أداة استفهام في اللفظ، وتقديرها بـ "بل" والهمزة خارجٌ عن أصول اللغة العربية، فإن "أم" للاستفهام و "بل" للإضراب، ويا بعد ما بينهما!! والحروف لا يقوم بعضها مقام بعض على أصح الطريقين، وهي طريقة إمام الصناعة والمحققين من أتباعه، ولو قُدِّر قيام بعضها مقام بعض فهو فيما تقارب معناهما كمعنى "على" و"في" ومعنى "إلى" و"مع". ونظائر ذلك، وأما في مالا جامع بينهما؛ فلا (١). ومن هنا كان زعم من زعم أن "لا" قد


(١) (ق): "فكلا" و (د): "وكلا".