للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)}؛ فإنه لما تقرَّر عند المخاطَبين أن لله صراطًا مستقيمًا هدى إليه أنبياءه ورسلَه، وكان المخاطَبُ -سبحانه- المسؤول منه هدايته عالمًا به، دخلت اللام عليه، فقال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)}.

وقال أبو القاسم السُّهَيلي (١): إن قوله تعالى: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٢)} [الفتح: ٢] نزلت في صُلح الحديبية، وكان المسلمون قد كرهوا ذلك الصلح، ورأوا أن الرأي خلاف، وكان الله ورسوله أعلم، فأنزل الله عليه هذه الآية، فلم يُرِد صراطًا مستقيمًا في الدين، وإنما أراد صراطًا في الرأي والحرب والمكيدة. وقوله -تبارك وتعالى-: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)} [الشورى: ٥٢] أي: تهدي من الكفر والضلال إلى صراط مستقيم، ولو قال في هذا الموطن: "إلى الصراط المستقيم"، لجعل للكفر والضلال حَظًّا من الاستقامة؛ إذ الألف واللام تنبئ أن ما دخلت عليه من الأسماء الموصوفة (٢) أحق بدلك المعنى مما تلاه في الذكر، أو ما [قُرِنَ] (٣) به في الوهم، ولا يكون أحق به إلا والآخر فيه طَرَف منه.

وغيرُ خافٍ ما في هذين الجوابين من الضعفِ والوهنِ؛ أما قوله: "إن المراد بقوله: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٢)} في الحرب والمكيدة"؛ فهضم لهذا الفضل العظيم والحظ الجزيل الذي امتنَّ اللهُ به على رسوله، وأخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن هذه الآية أحب إليه من الدنيا


(١) في "نتائج الفكر": (ص/ ٣٠٣).
(٢) (ق، ظ): "الموصولة" و (د): "الموصلة"، والمثبت من "النتائج".
(٣) في الأصول: "قرب" والتصويب أفاده محقق "النتائج".