أفلا تراه أجرى "غيرُ المنكرِ" صفة على النسب، كما أجرى عليه "المعروف"؛ لأنهما صفتان معينتان، فلا إبهام في "غير"؛ لأن مقابلها "المعروف" وهو معرفة، وضده "المنكر" متميِّز متعيِّن كتعيُّن المعروف، أعني: تعيين الجنس.
وهكذا قوله:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فالمنْعَم عليهم هم غير المغضوب عليهم، فإذا كان الأول معرفة كانت "غير" معرفة لإضافتها إلى محصل متميز غير مبهم، فاكتسبت منه التعريف.
وينبغي أن تتفطن هاهنا لنكتة لطيفة في "غير" تكشفُ لك حقيقة أمرها، وأين تكون معرفة وأين تكون (١) نكرة؛ وهي: أن "غيرًا" هي نفس ما تكون تابعة له وضِدّ ما هي مضافة إليه، فهي واقعة على متبوعها وقوع الاسم المرادَف على مرادفه، فإن المعروف هو تفسير "غير المنكر"، والمُنْعَم عليهم هم "غير المغضوب عليهم"، هذا حقيقة اللفظ، فإذا كان متبوعها نكرة لم تكن إلا نكرة، وإن أضيفت كما إذا قلت:"رجل غيرك فعل كذا وكذا"، وإذا كان متبوعها معرفةً لم تكن إلا معرفة، كما إذا قلت:"المحسن غيرُ المسيء محبوب معَظَّم عند الناس"، و"البَرُّ غير الفاجر مهيب"، و"العادل غير الظالم مجاب الدعوة"، فهذا لا تكون فيه "غير" إلا معرفة، ومن ادعى فيها التنكير هنا غَلِط وقال مالا دليلَ عليه؛ إذ لا إبهام فيها بحال، فتأمله.
فإن قلت: عدم تعريفها بالإضافة له سبب آخر، وهي: أنها