للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أن يكون متعلقًا بسبيل.

فإن قيل: كيف يتعلق به وليس فيه معنى الفعل؟.

قيل: "السبيل" لما كان هاهنا عبارة عن الموصِّل إلى البيت من قوة وزاد ونحوهما، كان فيه رائحة الفعل، ولم يقصد به السبيل الذي هو الطريق، فصلح تعلق المجرور به، واقتضى حُسْن النظم وإعجاز اللفظ تقديم المجرور وإن كان موضعه التأخير؛ لأنه ضمير يعود على البيت، والبيت هو المقصود به الاعتناء، وهم يقدِّمون في كلامهم ما هم به أهمُّ، وببيانه أعنى.

هذا تعبير السُّهيلي (١)، وهو بعيدٌ جدًّا! بل الصواب في متعلق الجار والمجرور وجه آخر أحسن من هذين، ولا يليقُ بالآية سواه، وهو الوجوب المفهوم من قوله: {عَلَى النَّاسِ}، أي: يجب لله على الناس الحج، فهو حق وواجب لله. وأما تعليقه بـ "السبيل" أو جعله حالًا منها ففي غايةِ البُعْد، فتأمله، ولا يكاد يخطر بالبال من الآية، وهذا كما يقول: لله عليك الحج ولله عليك الصلاة والزكاة والصيام (٢).

ومن فوائد الآية وأسرارها: أنه سبحانه إذا ذكر ما يوجبه ويحرمه يذكره بلفظ الأمر والنهي وهو الأكثر، أو بلفظ الإيجاب والكتابة والتحريم، نحو: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١٥١]، وفي الحج أتى بهذا النظم (٣) الدال على


(١) في "نتائج الفكر": (ص/ ٣١١).
(٢) من (ق). وتكررت "الصلاة" في (ظ ود).
(٣) (ق): "اللفظ".