للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يخفى فساد هذا الجواب، فإنه منتقض بالطَّم والرِّم مما يعطف فيه المضارع على مثله، كقولك: "زيد يذهب ويركب"، و: "إنما يذهب ويخرج زيد"، وأمثال ذلك.

فالجواب الصحيح أن يقال: المراد ما في المصدر من الدَّلالة على ثبوت نفسِ الحدث، وتعليق الحكم به دون تقييده بزمان دون زمان، فلو أتى بالفعل المقيد بالزمان لفات الغرض، ألا ترى أن قولها: "للُبْسُ عباءةٍ وتقرَّ عَيْني"، المراد به حصول نفس اللبس مع كونها (١) تقر عينُها كلَّ وقت شيئاً بعد شيء، فقرةُ العين مطلوبٌ تجدُّدها بحسب تجدد الأوقات، وليس هذا مرادًا في لبس العباءة، وكذا قولك: "أكْلُ الشعير وأكُفَّ وجهي عن الناس أحب إِليَّ منْ أَكل البر وأبذلَ وجهي لهم"، أفلا ترى أنه يُفضل (٢) أكل الشعير على أكل البر، ويدوم له كَف وجهه عن الناس، كما أن تِلك فضَّلت لُبْس العباءة على لبس الشُّفوف وتدوم لها قُرة العَين. فعلمت أن المقصود ماهية المصدر وحقيقته لا تقييده بزمان دون زمان.

ولما كانت "أن" والفعل تقع موقع المصدر ويؤوَّلانِ به في الإخبار عنهما كما يخبر عن الاسم، نحو قوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] -أي: صيامكم (٣) - أُوِّلَ المصدر بـ "أن" والفعل في صِحَّة عَطْف الفعل عليه، وهذا من باب المقابلة والموازنة، وقد جاء عطفُ الفعل على الاسم إذا كان فيه معنى الفعل نحو: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك: ١٩]، و {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ} [الحديد: ١٨]،


(١) (ق): "بكونها".
(٢) (ق ود): "تفضيل نفس".
(٣) "أي: صيامكم "ليست في (ق).