للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذا الباب وفي أكثر الأبواب يدلُّ على انتفاء النهاية، ألا ترى أن الضربَ يقع على القليل والكثير إلى غير نهاية وكذلك التمر والبرُّ (ق / ١٠٨ ب)، وإنما استحقت الهاء ذلك؛ لأن مخرجها من منتهى الصوت وغايته فصلحت للغايات (١)، ولذلك قالوا: عَلَّامة ونَسَّابة، أي: غايةٌ في هذا الوصف، فإذا عرفت هذا، فالجَمال والكَمال كالجنس العام من حيث لم يكن فيه "الهاء" المخصوصة بالتحديد والنهاية، وقولك: "مَلُحَ ملاحة، وفَصُح فصاحة"، على وزنه إلا في التاء لأن الفصاحة خصلة من خصال الكمال، وكذلك الملاحة، فحُدِّدت بالتاء؛ لأنها ليست بجنس عام كالكَمال والجَمال، فصارت كباب "الضَّرْبة والتَّمْرة" من "الضَّرْب والتَّمْر" (٢).

ألا ترى إلى قول خالد بن صفوان (٣) وقد قالت له امرأته (٤): "إنك لجميل"، فقال: أتقولين ذلك وليس عندي عمود الجمال ولا رِدَاؤه وبُرْنُسه، ولكن قولي: "إنك لمليح ظريف"، فجعل الملاحة خصلة من خصال الجمال، فبان صحة ما قلناه.

وعلى هذا قالوا: "الحلاوة والأصالة والرجاحة والرزانة والمهابة"، وفي ضد ذلك: "السَّفَاهة والوَضَاعة والحَمَاقة والرَّذَالة"؛ لأنها كلها خصال محدودة بالإضافة إلى السَّفال الذي هو في مقابلة العلاء


(١) من قوله: "وكذلك التمر والبر ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).
(٢) (ق): "والهمزة من ... والهمز".
(٣) أحد خطاء العرب وفصحائها، عاش إلى خلافة السفَّاح وكان من جُلسائه، وكلامه مجموع في كتب، انظر: "الأعلام": (٢/ ٢٩٧).
(٤) الخبر في "البيان والتبيُّن": (١/ ٣٩٣) للجاحظ، وفي بعض نسخه: "امرأة" ولعله الأصوب، ففد ذكروا أنه كان عَزَبًا.