للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكمة في سقوطها هنا؟ وما الفرق؟.

قلت: هذا إخبارٌ عن المؤمنين الدين قد سَبق لهم الإنقاذ من ذنوب الكفر بإيمانهم (١) ثم وُعِدُوا على الجهاد بغفران ما اكتسبوا في الإسلام من الذنوب، وهي غير محيطة بهم كإحاطة (٢) الكفر المهلك للكافر، فلم يتضمَّن الغفران معنى الاستنقاذ؛ إذ ليس ثَمَّ إحاطةٌ من الذنب بالمذنب، وإنما يتضمَّن معنى الإذهاب والإبطال للذنوب؛ لأن الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات، بخلاف الآيتين المتقدمتين فإنهما خطابٌ للمشركين وأمرٌ لهم بما ينقذهم ويخلصهم مما أحاط بهم من الذنوب، وهو الكفر، ففي ضمن ذلك الإعلام والإشارة بأنهم واقعون في مَهْلَكة قد أحاطت بهم، وأنه لا ينقذهم منها إلا المغفرة المتضمنة للإنقاذ الذي هو أخص من الإبطال والإذهاب، وأما المؤمنون فقد أنقدوا.

وأما قوله تعالى: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة: ٢٧١] فهي في موضع "من" التي للتبعيض؛ لأن الآية في سياق ثواب الصدقة، فإنه قال: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة: ٢٧١] والصدقة لا تُذْهِب جميع الذنوب.

ومن هذا النحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يمينِهِ وَلْيأْتِ الذي هُوَ خَيْر" (٣) فأدخل "عن" في الكلام إيْذانًا بمعنى الخروج عن اليمين،


(١) سقطت من (ق).
(٢) في الأصول: محبطة كإحباط، والمثبت من "النتائج".
(٣) أخرجه مسلم برقم (١٦٥٠) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.