للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: ٦٠] فربما كانوا يعرفونهم ولا يعلمون أنهم أعداء لهم، فيتعلَّق العِلم بالصفة المضافة إلى الموصوف، لا بعينه وذاته. قال: هذا، وإنما مثل من يقول: إنّ "علمت" بمعنى "عرفت" من أجل أنها متعدية إلى مفعول واحد في اللفظ، كَمَثَل من يقول: إن "سألت" يتعدى إلى غير العقلاء بقولهم: "سألتُ الحائط وسألتُ الدر"، ويحتج بقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] قال: وإنما هذا جهل بالمجاز والحذف، وكذلك ما تقدم.

وليس ما قاله هؤلاء بقوي، فإن الله -سبحانه- نفى عن رسوله معرفة أعيان أولئك المنافقين، هذا صريحُ اللفظ، وإنما جاء نفي معرفة نفاقهم من جهة اللزوم، فهو - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم وجود النفاق في أشخاص معينين، وهو موجود في غيرهم ولا يعرف أعيانهم، وليس المراد أن أشخاصهم كانت معلومة له معروفة عنده وقد انطووا على النفاق وهو لا يعلم ذلك فيهم، فإن اللفظ لم يدل على ذلك بوجه.

والظاهر بل المتعين أنه - صلى الله عليه وسلم - لو عرف أشخاصَهم لعرفهم بسيماهم وفي لَحْن القول، (ق/١١٣ أ)، ولم يكن يخفى عليه نفاق من يظهر له الإسلام ويبطن عداوتَه وعداوةَ الله عز وجل، والذي يزيد هذا وضوحًا الآية الأخرى، فإن قوله تعالى: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ} [الأنفال: ٦٠] فيهم قولان:

أحدهما: أنهم الجن المظاهرون لأعدائهم من الإنس على محاربة الله ورسوله، وعلى هذا: فالآية نص في أن العلم فيها بمعنى المعرفة، ولا يمكن أن يقال (١): إنهم كانوا عارفين بأشخاص أولئك


(١) "أن يقال" سقطت من (ظ ود).