للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاهلين عداوتهم كما أمكن مثله في الإنس.

والقول الثاني: أنهم المنافقون، وعلى هذا فقوله: {لَا تَعْلَمُونَهُمُ} إنما ينبغي حمله على معرفة أشخاصِهم لا على معرفة نفاقِهم؛ لأنهم كانوا عالمين بنفاق كثير من المنافقين، يعلمون نفاقَهم ولا يشكون فيه، فلا يجوز أن ينفي عنهم علم ما هم عالمون به، وإنما ينفي عنهم معرفة أشخاص من هذا الضرب، فيكون كقوله تعالى: {لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: ١٠١] فتأمله (١).

ويزيده وضوحًا؛ أن هذه الأفعال لا يجوز فيها الاقتصار على أحد المفعولين، بخلاف باب "أعطى" و"كسا"؛ للعلة المذكورة هناك، وهي تعلُّق هذه الأفعال بالنسبة، فلابد من ذكر النسبتين، بخلاف باب "أعطى" فإنه لم يتعلق بنسبة، فيصح الاقتصار فيه على أحد مفعوليه، وهذا واضح كما تراه، والله أعلم.

وأما تنظيرهم بـ "سألت الحائطَ والدار" فيا بعدما بينهما! فإن هذا سؤال بلسان الحال وهو (٢) كثير في كلامهم جدًّا، على أنه لا يمتنع أن يكون سؤالاً بلسان المقال صريحًا، كما يقول الرجل للدار الخَرِبَة: "ليتَ شِعْري ما فعل أهلك"؛ و"ليت شعري ما صَيَّرك إلى هذه الحال"؛ وليس هذا (ظ/٨٦ ب) سؤال استعلام، بل سؤال تعجُّب وتفجُّع وتحزُّن.

وأما قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] فالقرية إن كانت هنا اسمًا للسكان كما هو المراد بها في أكثر القرآن والكلام، فلا مجازَ


(١) (ق): "فتدبره".
(٢) سقطت كلمتان من (ظ ود).