للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسائر المعاني التي جعلت الحروف أمارات لها، وليس لها وجود في اللفظ. فإذا قلت. هل زيدٌ قائم؛ فمعناه: أستفهِمُ عن هذا الحديث، وكذلك "لا" معناها: أنْفِي، وكذلك "ليس"، وكذلك لما أرادوا إظهار تشبُّثها بالجملة لم ينصبوا بها الاسم الأول كما نصبوا بإن، حيث لم يكن معناها يقتضي نصبًا إذا لفظ به، كما يقتضي معنى "إنّ" و"لعل"إذا لُفِظ به.

وأما "كأَنَّ" للتشبيه، فمفارِقَةٌ لأخواتها من جهة أنها تدل على التشبيه، وهو معنى في نفس المتكلم واقعٌ على الاسم الذي: بعدها، فكأنك تخبر عن الاسم أنه مُشْبه غيره، فصار معنى التشبيه مسندًا إلى الاسم بعدها، كما أن معاني الأفعال مسندة إلى الأسماء بعدها، فمن ثَمَّ عَمِلت في الحال والظرف، تقول: "كأن زيدًا يوم الجمعة أميرًا"، فيعمل التشبيه في الظرف. ومن ذلك قوله (١):

كأَنَّه خارجًا مِن جَنْبْ صَفحَتِهِ ... سَفُّود شَرْبٍ نَسٌوه عند مُفْتأَدِ

ومن ثَمَّ وقعت في موضع الحال والنعت كما تقع الأفعال المخبر بها عن الأسماء، تقول: "مررت برجل كأنه أسد"، و"جاءني رجل كأنه أمير" وليس ذلك في أخواتها، لا تكون في موضع نعت ولا في موضع حال، بل لها صدر الكلام كما لحروفِ الشرط (ق/١١٤ ب) والاستفهام؛ لأنها داخلة لمعان في الجمل فانقطعت مما قبلها، وإنما كانت "كأن" مخالفةً لأخواتها من وجه وموافقة من وجه، من حيث كانت مركبة من "كاف" التشبيه، و"أن" التي للتوكيد، فكان أصلها: "إن زيدًا الأسد"، أي: مثل الأسد، ثم أرادوا أن يبينوا أَنه ليس هو


(١) البيت للنابغة، "ديوانه": (ص/ ١١).