الآخر بحرف الجر، ولا يسمع قولهم:"أربعة أفعال تتعدى بنفسها تارة وبحرف الجو أخرى"، ويذكرون هذه، فإنه كلامٌ مجرَّد: عن تحقيق، بل المفعول في الحقيقة محذوف، فإذا قولك:"نصحت"، مأخوذ من:"نصح الخياط الثوب" إذا أصلَحَه وضمَّ بعضَه إلى بعض، ثم استعير في الرأي، فقالوا:"نصحت له"، أي: نصحت له رأيه، أي: أخلصته له وأصلحته.
والتوبةُ النَّصُوح إنما هي من هذا، فإن الذنب يمزق الدين، فالتوبة النصوح بمنزلة نَصْح الخياط (ق ١١٧ أ)، الثوبَ، إذا أصلحه وضمَّ أجزاءَه، ويقولون:"نصحتُ ريدًا" فيسقطون الحرف؛ لأن النصيحة إرشاد، فكأنك قلت:"أرشدته"، وكذلك:"شكرت"، إنما هو تفخيم للفعل وتعظيم له، من "شَكِرَ بطنُه" إذا امتلأ، فالأصل:"شكرتُ لزيدٍ إحسانَه وفعلَه"، ثم تَحْذف المفعول فتقول:"شكرت لزيد"، ثم تحذف الحرف؛ لأن شكرت متضمنة لحَمدت أو مَدَحت.
وأما:"كِلْتُ لزيد، ووزَنْتُ له"، فمفعولهما غير زيد؛ لأن مطلوبهما ما يُكال أو يُوْزَن، فالأصل دخول اللام، ثم قد يُحذَف لزيادة فائدة، لأن كيل الطعام ووزنه يتضمن معنى المبايعة والمعاوضة إلا مع حرف اللام؛ فإن قلت:"كِلْت لزيد"، أخبرت بكيل الطعام خاصة، وإذا قلت:"كِلْت زيدًا"، فقد أخبرت بمعاملته ومبايعته مع الكيل، كأنك قلت:"بايعته بالكيل والوزن". قال تعالى:{وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ}[المطففين: ٣] أي: بايعوهم كيلًا ووزنًا.
وأما قوله:{اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ}[المطففين: ٢] فإنما دخلت "على" لتؤذِن أنَّ الكيل على البائع للمشتري، ودخلت "التاء" في "اكتالوا"،