للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُلْكًا وإما استحقاقًا، فَحَمْده لنفسه استحقاق، وحمدُ العباد له؛ وحمد بعضهم لبعض ملك له؛ فلو حَمِدَ هو غيرَه لم يَسُغ أن يقال في ذلك الحمد: ملك له؛ لأن الحمد كلامه؛ ولم يَسُغ أن يضاف إليه على جهة الاستحقاق وقد تعلَّقَ بغيره.

فإن قيل: أليس ثناؤه ومدحه لأوليائه إنما هو بما عَلِم، فلِمَ لا يجوز أن يُسمى حمدًا؟.

قيل: لا يُسَمى حمدًا على الإطلاق إلا ما يتضمن العلم بالمحاسن على الكمال، وذلك معدوم في غيره سبحانه، فإذا مَدَح فإنما يمدح بخصلة هى ناقصة في حق العبد، وهو أعلمُ بنقصانها، وإذا حَمِد نفسَه حَمِدَ بما عَلِمَ من كمال صفاته.

قلت (١): ليس ما ذكره من الفرق بين الحمد والمدح باعتبار العلم وعدمه صحيحًا، فإن كلَّ واحد منهما يتضمن العلم بما يحمد به غيره ويمدحه، فلا يكون مادحًا ولا حامدًا من لم يعرف صفات المحمود والممدوح، فكيف يصح قوله: "إن تجرد عن العلم لأن مَدْحًا"، بل إن لجرَّد عن العلم كان كلاما بغير علم، فإن طابقَ فصِدْق وإلا فكَذِب.

وقول: "ومن ثَمَّ لم يجئ في الكتاب والسنة: حمد ربنا فلانًا"، يقال: وأين جاء فيهما: "مدح الله فلانًا"، وقد جاء في السنة ما هو أخص من الحمد، وهو الثناء الذي هو تكرار المحامد، كما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل قباء: "ما هَذا الطهوْر الذي أَثْنى الله عليكمْ بِه " (٢)؟،


(١) التعليق لابن القيم -رحمه الله-.
(٢) أخرجه أحمد: (٣/ ٤٢٢)، وابن ماجه رقم (٣٥٥)، وابن خزيمة رقم (٨٣) =