الحمد المحققَة والمقدَّرة؛ وذلك يستلزم إثبات كلِّ كمال يُحمد عليه الرب تعالى، ولهذا لا تصلح هذه اللفظة على هذا الوجه، ولا تنبغي إلا لمن هذا شأنه وهو الحميد المجيد.
ولما كان هذا المعنى مقارنا للحمد لا تقوم حقيقتُه إلا به فسره من فسَّره بالرضى والمحبة، وهو تفسير له بجزء مدلوله، بل هو رضاء ومحبة مقارنة للثناء عليه، ولهذا السر -والله أعلم- جاء فعله على بناء الطبائع والغرائز، فقيل:"حَمد" لتضمنه الحب الذي هو بالطبائع والسجايا أولى وأحق من "فَهم وحذر وسقم" ونحوه، بخلاف الأخبار المجرَّد عن ذلك وهو المدح، فإنه جاء على وزن "فَعَل"، فقالوا: مَدَحه، لتجرد معناه من معاني الغرائز والطبائع، فتأمل هذه النكتة البديعة، وتأمل الإنشاء الثابت في قولك:"ربنا لك الحمد"، وقولك:"الحمد لله"، كيف تجده تحت هذه الألفاظ، ولذلك لا يقال موضعها:"المدح لله"، ولا:"ربنا لك المدح"(١)، وسِرّه ما ذكرت لك من الإِخبار بمحاسن المحمود إخبارا مقترنا بحبه وإرادته وإجلاله وتعظيمه.
فإن قلت: فهذا ينقض قولكم: إنه لا يمتنع أن يحمدَ اللهُ تعالى من شاء من خلقه، فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيءٌ ولا يستحق التعظيم غيره، فكيف يعَظِّم أحدًا من عباده؟.
قلت المحبة لا تنفك عن تعظيم وإجلال للمحبوب، ولكن يضاف إلى كلِّ ذاتِ بحسب ما تقتضيه خصائص تلك الذات، فمحبة العبد لربه تستلزم إجلاله وتعظيمه، وكذلك محبة الرسول تستلزم