للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو مصدر حقيقةً ما تجده على وزن "فَعْل"، نحو: "ضَرْب وقَتْلُ"، وأما "الشَّرب" بالفتح والضم والكسر، فـ "الشَّرْب" بالفتح، هو المصدر، و"الشُّرب" بالضم عبارة عن المشروب أو عن الحَدَث الذي هو مفعول مطلق في الأصل، وربما اتُّسِعَ فيه فأجْريَ مَجْرى المصدر الذي اشْتق الفعل منه، كما قال تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)} [الواقعة: ٥٥] بالضم والفتح".

قلت (١): هذه كَبْوة من جواد، ونَبْوة من صارم، فإن "الشُّرب" بالضم هو المصدر، وأما المشروب فهو "الشِّرب" بكسر الشين، قال تعالى في الناقة: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥)} [الشعراء: ١٥٥] فهذا هو المشروب، كما تقول: قِسْم من الماء وحَظ ونصيب تشربه في يومها (٢)، ولكم حظ وقسم تستوفونه في يومكم، وهذا هو القياس في الباب كالذّبْح بمعنى المذبوح، والطحن للمطحون، والحِبّ للمحبوب، والحِمل للمحمول، والقِسْم للمقسوم، والعِرْس للزوجة التي قد عرس بها، ونظائره كثيرة جدًّا.

وأما "الشَّرب" بالفتح؛ فقياسه أن يكون جمع شارب، كصاحب وصَحْب، وتاجر وتجْر، وهو يُسْتعمل كذلك، وإطلاق لفظ الجمع عليه جريا على عادتهم، والصواب أنه اسم جَمْع، فإن "فَعْلاً" ليس من صيغ الجموع واستعمل أيضا مصدرًا، وقد قرئت الآية بالوجوه الثلاثة (٣)، فمن قرأ بالضم أو الفتح فهو مصدر، ومن قرأ بالكسر فهو بمعنى المشروب، وعلى الأول يقع التشبيه بين الفعلين (٤)، وهو


(١) الكلام لابن القيم -رحمه الله-.
(٢) (ق): "نوبتها".
(٣) انظر "تفسير القرطبي": (١٤/ ٨٨)، و"روح المعاني": (٩/ ١١٤).
(٤) (ق): "المفعولين".