للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زيد صالحًا"، لأن "صالحًا" ليس فيه غير لفظ الفعل، والفعلُ غير دائم. وفي قولك: "رجلاً صالحًا"، لفظ "رجل" وهو دائم، فلذلك ذُكِر.

فإنَّ قيل: كيف يصح في: {لِسَانًا عَرَبِيًّا} أن يكون حالاً وليست وصفا منتقلاً، ولهدا لو قلت: "جاءني زيدُ قرشيًّا أو عربيًّا"، لم يَجُز؟.

قيل: قوله: {لِسَانًا عَرَبِيًّا} حال من الضمير في {مُصَدِّقٌ} لا من {كِتَابٌ}، لأنه نكرة والعامل في الحال ما في {مُصَدِّقٌ} من معنى الفعل، فصار المعنى أنه مصدق لك في هذه الحال، والاسم -الذي هو صاحب الحال- قديم، وقد كان غير موصوفٍ بهذه الصفة حين أنزل معناه لا لفظه على موسى وعيسى ومن خلا من الرسل، وإنما كان عربيًّا حين أُنزِل على محمد -صلى الله عليه وسلم- مصدقًا له ولما بين يديه من الكتاب، فقد أوضحت فيه معنى الحال، وبَرِحَ الإشكال.

قلت (١): كلا، بل زدت الإشكال إشكالاً! وليس معنى الآية ما ذهبت إليه! وإنما: {لِسَانًا عَرَبِيًّا} حال من "كتاب"، وصحَّ انتصاب الحال عنه مع كونه نكرة لكونه قد وُصِف، والنكرة إذا وُصِفت انتصب عنها الحال لتخصصها بالصفة، كما يصح أن يُبْتدأ بها.

وأما قوله: "إن المعنى مصدق لك"، فلا ريبَ أنه مصدق له، ولكن المراد من الآية: أنه مصدق لما تقدَّم من كتب الله -تعالى- كما قال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: ٤٨]، وقال: {الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [آل عمران: ١ - ٣]، وقال: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ


(١) التعليق الطويل لابن القيم -رحمه الله- وفيه الرد على السُّهيلي إذ اختار قول الكلَّابية.