للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و"محسنًا" حال بعدها، والحكمة في تقديم الجملة التي في موضع الخال على قولك: "محسنا" و (مصدقًا) أنك لو أخَّرتها لتوهم أنها في موضع الحال من الضمير الذي في "محسن" و (مصدق). (ق/١٣٥ ب) ألا ترى أنك لو قلت: "أتشتم زيدًا محسنًا إليك وهو أمير"، لدهب الوهم إلى أنك تريد: محسنًا إليك في هذه الحال، فلما قدَّمْتَها اتضح المراد وارتفع اللبس.

ووجه آخر يطَّرد في هذه الآية، وفي الأخرى التي في سورة فاطر: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [فاطر: ٣١] وهو أن يكون {مُصَدِّقًا} هاهنا حالاً يعمل فيها ما دلت عليه الإشارة المنبئة عنها "الألف واللام"؛ لأن "الألف واللام" قد تُنبئ عما تنبئ عنه أسماء الإشارة، حكى سيبويه (١): "لمن الدارُ مفتوحًا بابُها"، فقولك: "مفتوحًا بابها" (٢) حال لا يعمل فيها الاستقرار الذي يتعلق به "لمن"؛ لأن ذلك خلاف المعنى المقصود، وتصحيح المعنى: "لمن هذه الدار مفتوحًا بابها"، فاستغنى بذكر "الألف واللام" وعلم المخاطب أنه مشير وتنبَّه المخاطب بالإشارة إلى النظر، وصار ذلك المعنى [المنبَّه] (٣) عليه عاملاً في الحال.

وكذلك قوله: {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} [فاطر: ٣١] كأنه يقول: "هو ذلك الحق (٤) مصدقًا"، لأن الحق قديم ومعروف بالعقول والكتب المتقدمة، فلما أشار: نبَّهت الإشارةُ على العامل في الحال، كما إذا


(١) فى "الكتاب": (٢/ ١٢ - ١٦).
(٢) "فقولك: مفتوحًا بابها" سقطت من (ق).
(٣) تحرفت فى الأصول، والمثبت من "النتائج"
(٤) العبارة في (ظ ود): "ذلك هو الحق"، و"ق ": "ذلك الحق هو"، والمثبت من "النتائج".