(ق/١٣٦ أ) معنى قولهم: "إنها حال مؤكدة" فافهمه. والمعنى: أنه لا يكون إلا على هذه الصفة، وهي مقررة لمضمون الجملة، فإن كونه مصدقًا للحق المعلوم الثابت، مقرِّرٌ ومؤكِّدٌ ومبينٌ لكونه حقًا في نفسه.
وأما قوله:"إنها حال من المجرور في قوله: {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ}[البقرة:] والمعنى: يكفرون به مصدقًا لما معهم"، فهذا المعنى وإن كان صحيحًا لكن ليس هو معنى الحال في القرآن حيث وقعت بهذا المعنى، وهب أن هذا يمكن دعواه في هذا الموطن، فكيف يقول في قوله تعالى:{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}[فاطر: ٣١] والكلام والنظم واحد!!.
وأيضًا فالمعنى مع جَعْل (١){مُصَدِّقًا} حالاً من قوله: {هُوَ الْحَقُّ} أبلغ وأكمل منه إذا جُعِل حالاً من المجرور، فإنه إذا جُعِل حالاً من المجرور يكون الإنكار قد توجَّه عليهم في كفرهم به، حالَ كونه مصدقًا لما معهم، وحالَ كونه حقًّا، فيكونان حالًا من المجرور، أي: يكفرون به في هذه الحال وهذه الحال، وإذا جعِل حالاً من مضمون قوله:{هُوَ الْحَقُّ}، كان المعنى: يكفرون به حال كونه حقًّا مصدِّقًا لما معهم، فكفروا به في أعظم أحواله المستلزمة للتصديق والإيمان به، وهو اجتماع كونه حقًا في نفسه وتصديقه لما معهم، فالكفر به عند اجتماع الوصفين فيه يكون أغلظ وأقبح، وهذا المعنى والمبالغة لا تجده فيما إذا قيل: يكفرون به حالَ كونه حقًا، وحالَ كونه مصدقًا لما معهم. فتأمله فإنه بديع جدًّا، فصحَّ قولُ النحاة والمفسرين في الآية، والله أعلم.