للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع أن (١) الأصل تقديم الخبر عليها؛ فهذا سؤالٌ قد تضمن سؤالين؛ أحدهما: حكمة الابتداء بالنكرة في هذا الموضع. الثاني: أنه إذ قد ابتدئ بها فهلَّا قدَّمَ الخبرَ على المبتدإ، لأنه قياس الباب، نحو: "في الدار رجل"؟.

والجواب عن السؤال الأول: أن يقال: إن النحاة قالوا: إذا كان في النكرة معنى الدعاء مثل: "سلام لك (٢) وويل له" جاز الابتداء بها؛ لأن الدعاء معنى من معاني الكلام، فقد تخصصت النكرةُ بنوع من التخصيص فجاز الابتداء بها، وهذا كلام لا حقيقةَ تحتَه، فإن الخبر أيضًا نوع من أنواع الكلام، ومع هذا فلا تكون جهة الخبر مسوِّغة للابتداء بالنكرة، فكيف تكون جهة الدعاء مسوغة للابتداء بها؟

وما الفرقُ بين كون الدُّعاء نوعًا، والخبر نوعًا، والطلب نوعًا؛ وهلا يُفيد ذلك تعيين مسمَّى النكرة [حتى] يصلح الإخبار عنها؟ فإن المانع من الإخبار عنها ما فيها من الشّياع والإبهام الذي يمنع من تحصيلها عند المخاطَب في ذهنِه حتى يستفيد نسبة الإسناد الخبري إليها، ولا فرقَ في ذلك بين كون الكلام دعاءً أو خبرًا وقول من قال: إن الابتداء بالنكرة إنما (ظ/١١٢ ب) امتنع حيث لا يفيد، نحو: "رجل في الدنيا" و "رجل مات" ونحو ذلك، فإذا أفادت جازَ الابتداءُ بها من غير تقييد بضابط ولا حصر بعدد = أحسنُ (٣) من تقييد ذلك بكون الكلام دعاء أو في قوة الكلام آخر، وغير ذلك [من] الضوابط المذكورة، وهذه طريقةُ إمام النحو سيبويه فإنه في "كتابه" لم يجعل


(١) (ق): "كون".
(٢) (ق): "عليك".
(٣) متعلق بقوله: "وقول من قال".