للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للابتداءِ بها ضابطًا ولا حصره بعدد، بل جعل مناط الصحة الفائدة، وهذا هو الحق الذي لا يثبت عند النظر سواه، وكل من تكلَّف ضابطًا، فإنه تَرِدُ عليه ألفاظ خارجة عنه، فإما أن يتمحَّل لردها إلى ذلك الضابط، وإما أن يفردها بضوابط أُخَر، حتى آل الأمر ببعض النحاة إلى أن جعل في الباب ثلاثين ضابطًا، وربما زاد غيره عليها! وكلُّ هذا تكلُّف لا حاجة إليه واسترحتَ من: "شَرٌّ أَهَرَّ ذَا نَاب" (١) وبابه.

فإن قلت: فما عندك من الضابط إذا سلكت طريقتهم؟.

قلت: اسمع الآن قاعدةً جامعة في هذا الباب، لا يكاد يشذ عنها شيء منه: أصل المبتدأ أن يكون معرفةً أو مخصوصًا بضرب من ضروب التخصيص، بوجهٍ تحصل الفائدة من الإخبار عنه، فإن انتفت عنه وجوه التخصيص بأجمعها، فلا يُخْبر عنه إلا أن يكون الخبر (ق/١٤٨ ب) مجرورًا مفيدًا معرفة مقدَّمًا عليه بهذه الشروط الأربعة؛ لأنه إذا تقدَّم وكان معرفة صار كأن الحديث عنه، وكأن المبتدأ المؤخر خبر (٢) عنه.

ومثال ذلك إذا قلت: "عَلَى زيدٍ دَيْن" فإنك تجد هذا الكلام في قوة قولك: "زيد مديان أو مَدِين"، فمحطُّ الفائدة هو الدين، وهو المستفاد من الإخبار، فلا تنحس في قيود الأوضاع، وتقول: "على زيد" جار ومجرور فكيف يكون مبتدأ؟ فأنت تراه هو المُخْبَر عنه في


(١) من أمال العرب، انظر "مجمع الأمثال": (٢/ ١٧٢)، والمعنى: ما أهرَّ ذا نابٍ إلا شرٌّ، وأهرَّ: من الهرير وهو صوت السَّبُع، وذا ناب: هو السبع. والمثل محرف في الأصول.
(٢) ليست في (ق).