الحقيقة، وليس المقصود الإخبار عن الدَّين بل عن زيد بأنه مِدْيان، وإن كَثُف ذهنك عن هذا فراجع شروط المبتدأ وشروط الخبر، وإن لم يكن الخبر مفيدًا لم تفد المسألة شيئًا وكان لا فرقَ بين تقديم الخبر وتأخيره، كما إذا قلت:"في الدنيا رجل" كان في عدم الفائدة بمنزلة قولك: "رجل في الدنيا"، فهنا لم تمتنع الفائدة بتقديمٍ ولا تأخير، وإنما امتنعت من كون الخبر غير مفيد، ومثل هذا قولك:"في الدار امرأة"، فإنه كلام مفيد؛ لأنه بمنزلة قولك:"الدار فيها امرأة"، فأخبرتَ عن الدار بحصولِ المرأة فيها في اللفظ والمعنى، فإنك لم تُرِد الإخبار عن المرأة بأنها في الدار، ولو أردت ذلك لحصلت حقيقة المُخْبر عنه أولًا ثم أسندت إليه الخبر، وإنما مقصودك الإخبار عن الدار بأنها مشغولة بامرأة وأنها اشتملت على امرأة، فهذا القدر هي الذي حَسَّن الإخبار عن النكرة هاهنا، فإنها ليس خبرًا عنها في الحقيقة، وإنما هي في الحقيقة خبر عن المعرفة المتقدِّمة، فهذا حقيقةُ الكلام، وأما تقديُره الإعْرابيُّ النحويُّ فهو: أن المجرور خبر مقدَّم والنكرة مرفوعة بالابتداء.
فإن قلت: فمن أين امتنع تقديم هذا المبتدأ في اللفظ فلا تقول: "امرأة في الدار" و"دَيْن على زيد"؟.
قلت: لأن النكرة تطلب الوصف طلبًا حثيثًا، فيسبق (ظ/١١٣ أ) الوهم إلى أن الجار والمجرور وصف لها لا خبرٌ عنها؛ إذ ليس من عادتها الإخبار عنها إلا بعد الوصفِ لها، فيبقى الذهن متطلِّعًا إلى ورود الخبر عليه، وقد سبق إلى سمعه ولكن لم يتيقن أنه الخبر، بل يجوز أن يكون وصفًا فلا تحصل به الفائدة، بل يبقى في أَلَمِ الانتظار للخبر والترقُّب له، فإذا قدَّمت الجارَّ والمجرور عليها استحال أن