للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشهد (١) لكون السلام هنا من الله تعالى، كما هو في آخر (الصافات).

وأما عَطْف الخبر على الطلب فما أكثره! فمنه قوله (ق / ١٥٨ ب) تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ} [الأنبياء: ١١٢]، وقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)} [المؤمنون: ١١٨]، وقوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (٨٩)} [الأعراف: ٨٩]، ونظائره كثيرة جدًّا.

وفَصْل الخطاب في ذلك أن يقال: الآيةُ تتضمن الأمرين جميعًا وتنتظمهما انتظامًا واحدًا، فإن الرسول هو المبلِّغ عن الله كلامَه وليس له فيه إلا البلاغ، والكلامُ كلام الربِّ تبارك وتعالى، فهو الذي حمد نفسه، وسلَّم على عباده، وأمر رسولَه بتبليغ ذلك، فإذا قال الرسول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}، كان قد حَمِد اللهَ، وسلَّم على عباده بما حمد به نفسه، وسلم به هو على عباده (٢)، فهو سلامٌ من الله ابتداءً، ومن المبلِّغ بلاغًا، ومن العباد اقتداء وطاعة، فنحن نقول كما أمرنا ربنا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: ٥٩]، ونظيرُ هذا قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} [الإخلاص: ١] فهو توحيدٌ (ظ/ ١٢٠ ب) منه لنفسه، وأمرٌ للمخاطَب بتوحيده، فإذا قال العبد: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)}، كان قد (٣) وحَّدَ اللهَ بما وحَّدَ به نفسَه، وأتى بلفظ "قل" تحقيقًا لهذا المعنى، وأنه مبلِّغٌ مَحْض، قائل لما أُمِرَ بقوله، والله أعلم.


(١) سقطت من (ظ ود).
(٢) من قوله في الآية: {الَّذِينَ اصْطَفَى ... } إلى هنا ساقط من (ق).
(٣) "كان قد" سقطت من (ق).