للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (١٣٠)} [الصافات: ١٣٠].

ومنها: أن عباده الذين اصطفى هم المرسلون، والله سبحانه يقرن (١) بين تسبيحِه لنفسه وسلامِه عليهم، وبين حَمْده لنفسه وسلامِه عليهم.

أما الأول؛ فقال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١)} [الصافات: ١٨٠، ١٨١] فذكر تنزيهه لنفسه عما لا يليق بجلاله، ثم سلامه (٢) على رسله.

وفي اقتران السلام عليهم بتسبيحه لنفسه سِرٌّ عظيم من أسرار القرآن، يتضمَّن الردَّ على كلِّ مُبْطل ومُبْتدع، فإنه نزَّهَ نفسَه تنزيهًا مطلقًا، كما نزَّه نفسَه عما يقول خلقه فيه، ثم سلَّم على المرسلين، وهذا يقتضي سلامتهم من كلِّ ما يقول المكذِّبون لهم المخالفون لهم، وإذا سَلِموا من كلِّ ما رماهم به أعداؤهم، لزم سلامة كلِّ مَا جاؤوا به من الكذب والفسادِ، وأعظمُ ما جاؤوا به التوحيد، ومعرفة الله، ووصفه بما يليق بجلاله مما وصفَ به نفسَه على ألسنتهم. وإذا سَلِم دْلك من الكَذِب والمحال والفساد؛ فهو الحق المَحْض، وما خالفه هو الباطل والكذب المحال (٣)، وهذا المغنى بعينه في قوله: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: ٥٩] فإنه يتضمَّن حمده بما له من نُعُوت الكمال، وأوصاف الجلال، والأفعال الحميدة، والأسماء الحسنى، وسلامة رسلِه من كلِّ عيب ونقص وكذب، وذلك يتضمَّن سلامةَ ما جاؤوا به من كلِّ باطلٍ، فتأمل هذا السِّرَّ في اقتران السلام على رسله بحمدِه وتسبيحِه. فهذا


(١) (ق ود): "يفرق"!.
(٢) (ظ وق): "سلام"، والمثبت من (د) وهو أصح.
(٣) من قوله: "والفساد .... " إلى هنا ساقط من (ق).