للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالجواب عنه أن يقال: لما كان الإنسان لا سبيل له إلى انتفاعه بالحياة إلا بثلاثة أشياء:

أحدها: سلامته من الشر، ومن كل ما يضاد حياته وعيشه.

والثاني: حصولُ الخير له.

والثالث: دوامه وثباته له.

فإن بهذه الثلاثة يكمل انتفاعُه بالحياة، فشُرِعَت التحية متضمنة للثلاثة، فقوله: "سلام عليكم" يتضمن السلامة من الشر، وقوله: "ورَحْمَةُ الله" يتضمن حصول الخير. وقوله: "وبركاته" يتضمن دوامه وثباته كما هو موضوع لفظ البركة، وهو كثرة الخير واستمراره. ومن هاهنا يعلم حكمة اقتران اسمه الغفور -تبارك وتعالى- باسمه الرحيم في عامة القرآن. ولما كانت هذه الثلاثة مطلوبة لكل أحد، بل هي متضمنة لكل مطالبه، وكلّ المطالب دونها وسائل إليها وأسباب لتحصيلها؛ جاءَ لفظ التحية دالاً عليها بالمطابقة تارة، وهو "كمالها"، وتارة دالاً عليها بالتضمن، وتارة دالاً عليها باللزوم، فدلالة اللفظ عليها مطابقة إذا ذُكِرَت بلفظها، ودلالته عليها بالتضمُّن إذا ذُكِر السلام والرحمة فإنهما يتضمنان الثالث، ودلالته عليها باللزوم إذا اقتصر على لفظ السلام وحدَه، فإنه يستلزم حصول الخير وثباته؛ إذ لو عُدِم لم تحصل (ظ / ١٢٢ ب) السلامة المطلقة، فالسلامة مستلزمة لحصول الرحمة كما تقدم تقريره.

وقد عوف بهذا فضلُ هذه التحية وكمالُها على سائر تحيات الأمم، ولهذا اختارها الله لعباده وجعلَها تحيتهم بينهم في الدنيا وفي دار السلام. وقد بانَ لك أنها من محاسن الإسلام وكماله، فإذا كان