للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَحْمَةً} [هود: ٩] ومنه تسميته -تعالى- المطرَ رحمةً بقوله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: ٥٧] وعلى هذا فلا يمتنع الدُّعاء المشهور بين الناس قديمًا وحديثاً، وهو قول الداعي: "اللهمَّ اجْمَعْنا في مسْتقَرِّ رَحْمَتِك"، وذكره البخاريّ في كتاب "الأدب المفرد" (١) له عن بعض السلف (٢)، وحكى فيه الكراهة قال: لأن مستمرَّ رحمته ذاتُه، وهذا بناء على أن الرحمة هنا صفة، وليس مراد الداعي ذلك؛ بل مرادُه الرحمةُ المخلوقةُ التي هى الجنة.

ولكن الدين كرهوا ذلك لهم نظر دقيق جدًّا (ظ/ ١١٢ أ)، وهو: أنه إذا كان المراد بالرحمة الجنة نفسها، لم يَحْسُن إضافة المستقر إليها، ولهذا لا يَحْسُن أن يُقال: "اجمعنا في مستقرِّ جنتك"، فإن الجنة نفسها هى دارُ القرار وهى المستقر نفسُه، كما قال تعالى: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٧٦)} [الفرقان: ٧٦]، فكيف يضاف المستقر إليها، والمُسْتَقَر هو المكان الذي يَسْتَقِر فيه الشيء، ولا يصحّ أن يَطْلُب الداعي الجمع في المكان الذي تستقر فيه الجنة فتأمله. ولهذا قال: "مستقر رحمته ذاتُه"، فالصواب أن هذا لا يمتنع، وحتى لو قال صريحاً: "اجمعنا في مستقرِّ جنتك" لم يمتنع، وذلك أن المستقر (ق ١٦٣/ ب) أعمّ من أن يكون رحمة أو عذاباً، فإذا أُضيفَ إلى أحدِ أنواعه أُضِيْف إلى ما يُبيّنه ويميزه من غيره، كأنه قيل: في المستقرِّ الذي هو رحمتك، لا في المستقرِّ الآخر.

ونظير هذا أن يقول: "اجلس في مستقر المسجد"، أي: المستقر


(١) (ص/ ٢٣٦).
(٢) هو أبو رجاء العطاردي.