للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي هو (١) المسجد، والإضافة في مثل ذلك غير ممتنعة ولا (٢) مستكرهة. وأيضًا فإن الجنة وإن سُمِّيت رحمة، لم يمتنع أن يسمَّى ما فيها من أنواع النعيم رحمة. ولا ريب أن مستقر ذلك النعيم هو الجنة، فالداعي يطلب أن يجمعَه اللهُ ومن يحب فى المكان الذي تستقرُّ فيه تلك الرحمة المخلوقة في الجنة، وهذا ظاهر جدًّا فلا يمتنع الدعاءُ بوجه، والله أعلم (٣).

وهذا بخلاف قول الداعي: "يا حَيُّ يا قَيُّوْمُ برَحْمَتِكَ أَسْتَغيثُ" (٤)، فإن الرحمةَ هنا صفته تبارك وتعالى، وهي متعلَّق الاستغاثة، فإنه لا يُسْتغاث بمخلوق، ولهذا كان هذا الدعاءُ من أدعيةِ الكرب لما تضمَّنه من التوحيد والاستغاثة برحمة أرحم الراحمين، متوسِّلاً إليه باسمين عليهما مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما مرجع معانيها جميعها، وهو اسم: الحيّ القيُّوم.

فإن الحياةَ مستلزمةٌ لجميع صفات الكمال، ولا يتخلَّف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة، فإذا كانت حياته تعالى أكملَ حياة وأتمها استلزم إثباتُها إثباتَ كلِّ كمال يضاد نفي كمال الحياة، وبهذا


(١) من قوله: "رحمتك لا .. " إلى هنا ساقط من (ظ ود).
(٢) (ق): "أو".
(٣) وهذا اختار شيخ الإسلام ابن تيمية، انظر "الاختيارات": (ص/ ٤٦٠)، وانظر ما سيأتي عند المصنف: (٤/ ١٤١٨)، و"معجم المناهي اللفظية": (ص/٦٠٤).
(٤) لفظ حديث أخرجه الترمذي رقم (٣٥٢٤)، والحاكم: (١/ ٧٣٠)، والضياء في "المختارة": (٦/ ٣٠٠). وغيرهم من حديث أنسٍ -رضي الله عنه- قال الترمذي: "هذا حديث غريب".
وله شاهد من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أخرجه الحاكم: (١/ ٥٠٩)، وصحَّحهما الحاكم.