للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطريق العقلي أثبت متكلمو أهل الإثبات له تعالى صفةَ السمع والبصر والعلم والإرادة والقدرة (١) والكلام وسائر صفات الكمال.

وأما القيوم؛ فهو متضمن كمالَ غِناه وكمال قدرته، فإنه القائم بنفسه لا يحتاج إلى من يقيمه بوجه من الوجوه، وهذا من كمال غناه بنفسه عما سواه، وهو المقيم لغيره، فلا قيام لغيره إلا بإقامته، وهذا من كمال قدرته وعزته، فانتظمَ هذان الاسمان صفاتِ الكمال والغنى التام والقدرة التامة. فكأن المستغيث بهما مستغيث بكل اسم من أسماء الرب تعالى وبكل صفة من صفاته، فما أولى الاستغاثة بهذين الاسمين أن تكون في مظنة تفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإنالة الطلبات.

والمقصود: أن الرحمةَ المستغاث بها هي صفة الرب تعالى لا شيء من مخلوقاته، كنا أن المستعيذ بعزته في قوله: "أعُوذُ بعِزتك" (٢) مستعيذ بعزته التي هي صفته، لا بعزته التي خلقها يُعِزَ بها عبادَه المؤمنين. وهذا كله يقرر قولَ أهل السنة أن قولَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أعود بكَلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ" (٣) يدل على أن كلماته -تبارك وتعالى- غير مَخلوقة، فإنه لا يسْتعاذ بمخلوق. وأما قوله تعالى حكاية عن ملائكته: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: ٧] فهذه رحمة الصفة التىِ وسعتْ كلَّ شيء، كنا قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (٤) [الأعراف: ١٥٦]، وسَعَتُها عمومُ تعلقها بكلِّ شئ، كما أن سَعَة علمه


(١) (ظ ود): "القوة".
(٢) سيأتي تخريجه ٢/ ٧٠٩.
(٣) سيأتي تخريجه ٢/ ٧٠٩.
(٤) الآية ليست في (ق).