للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيجيء بعده المضمر، وهذا نحو قول المصلِّى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) وقوله في الركوع: "سبحان ربى العظيم"، وفي السجود: "سبحان ربى الأعلى"، وفي هذا من السر: أن تعليق الثناء بأسمائه الحسنى هو لما تضمَّنتا معانيها من صفات الكمال ونعوت (ق ١٦٧/ ب) الجلال، فأتى بالاسم الظاهر الدال على المعنى الذي يثني به ولأجله عليه -تعالى- ولفظ الضمير لا إشعار له بذلك، ولهذا إذا كان لابدَّ من الثناء عليه بخطاب المواجهة أتى بالاسم الظاهر مقرونًا بميم الجمع الدالة علي جميع الأسماء والصفات، نحو قوله في رفع رأسه من الركوع: "اللهم ربنا لك الحمد"، وربما اقتصر على ذِكر الربِّ تعالى لدلالة لفظه على هذا المعنى، فتأمله فإنه لطيف المَنْزَع جدًّا.

وتأمَّل كيف صدر الدعاء المتضمِّن للثناء والطلب بلفظ "اللهم" كما في سيد (١) الاستغفار: "اللهمَّ أنتَ رَبي لا إله إلا أنتَ خَلَقتني وأنا عبدك ... " (٢) الحديث، وجاءَ الدعاءُ المجرد مصدَّرًا بلفظ "الرب" نحو قول المؤمنين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمران: ١٤٧]، وقول آدم -عليه السلام-: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: ٢٣]، وقول موسى -عليه السلام -: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: ١٦]، وقول نوح -عليه السلام-: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٤٧)} [هود: ٤٧]، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول بين السجدتين: "رب اغفرْ لي ربِّ اغفر لي" (٣).


(١) ليست في (ق).
(٢) أخرجه البخاري رقم (٦٣٠٦) وغيره عن حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه-.
(٣) أخرجه أبو داود رقم (٨٧٤)، والنسائي: (٢/ ٢٣١)، وابن ماجه رقم (٨٩٧) =