للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسرُّ ذلك: أن (١) الله تعالى يُسأل بربوبيته المتضمِّنة قدرته وإحسانه وتربيته عبدَه وإصلاح أمره، ويُثنى عليه بإلهيته المتضمنة إثبات ما يجب له من الصفات العُلى والأسماء الحسنى. وتدبَّر طريقة القرآن تجدْها كما ذكرتُ لك.

فأما الدعاء فقد ذكرنا منه أمثلة، وهو في القرآن -حيث وقع- لا يكاد يجيء إلا مُصَدَّرًا باسم الرب.

وأما الثناء -فحيث وقع- فمصدَّرٌ بالأسماء الحسنى، وأعظم ما يصَدَّر به اسم الله جل جلاله نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} حيث جاءَ، ونحو: {سُبْحَانَ رَبِّكَ}، وجاء: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} [الصافات: ١٨٠]، ونحوه: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الحشر: ١] حيثُ وقعت، ونحو (ظ/ ١٢٧ أ): {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالمِينَ (٥٤)} [الأعراف: ٥٤] {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)} [المؤمنون: ١٤]، و {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: ١]، ونظائره.

وجاءَ في دعاءِ المسيح: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة: ١١٤]، فذكَرَ الأمرين ولم يجئ في القرآن سواه، ولا رأيتُ أحدًا تعرَّض لهذا ولا نبَّه عليه. وتحته سِرٌّ عجيبٌ دالٌّ على كمال معرفة المسيح عليه السلام بربه وتعظيمه له، فإن هذا السؤال (٢) كان عقيب سؤال قومِه له: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة: ١١٢] فخوَّفهم بالله وأعلمهم أن (ق / ١٦٨ أ)، هذا مما لا يليق أن


= وغيرهم من حديث حذيفة -رضي الله عنه-.
(١) (ق): "إن شاء".
(٢) (ق): "الدعاء".