للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تحرِيْمها التكبير وتحلِيْلها التسْلِيم" (١) تحريمها هنا هو: بابها الذي يُدْخل منه إليها، وتحليلها: بابها الذي يُخْرج به منها، فجعل التكبير باب الدخول، والتسليم (٢) باب الخروج، لحكمة بديعة (٣) بالغة، يفهمها من عَقَل عن الله وألزمَ نفسَه بتأمُّل محاسن هذا الدين العظيم، وسافر فكره في استخراجِ حكمِه وأسراره وبدائعه، وتعرَّبَ عن عالم العادة والإلْف، فلم يَقْنع بمجرَّد الأشباح حتَّى يعلم ما يقوم به من الأرواح، فإن الله تعالى لم يشرع شيئًا سدى ولا خِلوًا من حكمة بالغة، بل في طوايا ما شرعه وأمر به من الحِكَم والأسرار التي تبهر العقول ما يستدل به الناظر فيه على ما وراءَه، فيسجد القلب خضوعًا وإذعانًا.

فنقول وبالله التوفيق: لما كان المصلي قد تخلَّى عن الشواغل، (ق / ١٦٨ ب) وقطعَ جميع العلائق، وتطهر وأخذ زينته، وتهيَّأ للدخول على الله -عز وجل- ومناجاته، شُرع له أن يدخل عليه دخولَ العبيد على الملوك، فيدخل بالتعظيم والإجلال، فشُرع له أبلغ لفظ يدل على هذا المعنى، وهو قول: "الله أكبر"، فإن في هذا اللفظ من التعظيم والتخصيص والإطلاق في جانب المحذوف المجرور بـ "من" ما لا يوجد في غيره، ولهذا كان الصوابُ أن غير هذا اللفظ لا يقوم مقامه، ولا يؤدي معناه ولا تنعَقِد الصلاة إلا به، كما هو مذهب أهل


(١) أخرجه أبو داود رقم (٦١)، والترمذي رقم (٣)، وابن ماجه رقم (٢٧٥)، وغيرهم من حديث عليٍّ -رضي الله عنه-.
والحديث قوَّاه الترمذي وابن السكن والحاكم وغيرهم.
(٢) من قوله: "تحريمها هنا ... " إلى هنا ساقط من (د).
(٣) ليست في (ق).