للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المدينة وأهل الحديث. فجَعَل هذا اللفظَ، واستشعارَ معناه، والمقصودَ به: بابَ الصلاة الذي يَدخل العبد على ربه منه، فإنه إذا استشعرَ بقلبه أن الله أكبر من كل ما يخطر بالبال استحيا منه أن يشغَل قلبه في الصلاة بغيره، فلا يكون موفَيًا (ظ/١٢٧ ب)، لمعنى "الله أكبر" ولا مؤدِّيًا لحقِّ هذا اللفظ، ولا أتى البيت من بابه، بل الباب عنه مسدود. وهذا بإجماع السلف: أنه لا يثاب العبد من صلاته إلا ما عَقَل منها وحَضره بقلبه.

وما أحسن ما قال أبو الفرج ابن الجوزي في بعض وَعْظه (١): "حضورُ القلب أول منزل من منازل الصلاة، فإذا نزلته انتقلْتَ إلى بادية المعنى (٢)، فإذا رَحَلت عنها أنَخْت بباب المناجاة، فكان أولُ قِرَى ضيفِ اليقظةِ كَشْفَ الحجاب لعين القلب، فكيف يطمع في دخول مكة (٣) من لا خرج إلى البادية، بعد تَبعث قلبك في كل وادٍ، فربما تفجأك الصلاةُ في ليس قلبك (٤) عندك، فتبْعَث الرسول وراءه فلا يصادفه، فتدخل في الصلاة بغير قلب"-

والمقصود أنه قبِيح بالعبد أن يقول بلسانه: "الله أكبر" وقد امتلأَ قلبه بغير الله، فهو قِبْلة قَلْبِه (٥) فى الصلاة، ولعله لا يحضر بين يدي ربه في شيء منها. فلو قضى حق: "الله أكبر" وأتى البيتَ من بابه، لدخل وانصرف بأنواع: التحف والخيرات، فهذا الباب الذي يدخل منه


(١) في كتاب "المدهش": (ص/ ٤٥٤).
(٢) كذا فى الأصول، وفى "المدهش": "العمل".
(٣) إلى هنا الكلام متوافق مع ما في "المدهش" وبقية الكلام ليس فيه.
(٤) ليست في (ق).
(٥) أي: غير الله مستولٍ على قلبه، وفي (ق): "فهو وقلبه".