للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحميدُ, وفاعل الشر لا يفعله إلَّا لحاجته المنافية لغناه أو لنقصه وعيبه المنافي لحمده، فيستحيلُ صدورُ الشَّرِّ من الغني الحميد فعلًا، وإن كان هو الخالقَ للخير والشَّرِّ، فقد عرفتَ أن كونه شرًّا هو أمرٌ إضافيٌّ، وهو في نفسه خير من جهة نسبته إلى خالقه ومبدعه.

فلا تغفلْ عن هذا الموضع، فإنه يفتحُ لك بابًا عظيمًا من معرفة الرَّبِّ ومحبته، ويزيل عنك شُبُهَات حارتْ فيها عقولُ أكثر الفضلاء. وقد بسطت هذا في كتاب "التحفة المكية"، وكتاب "الفتح القدسي" (١). وغيرهما.

وإذا أشكل عليك هذا فأنا أُوضِّحه لك بأمثلة:

أحدُها: أن السَّارقَ إذا قُطِعَتْ يَدُهُ فَقَطْعُها شرٌّ بالنسبة إليه، وخيرٌ محض بالنسبة إلى عموم الناس، لما فيه من حفظ أموالهم ودفع الضَّرر عنهم، وخيرٌ بالنسبة إلى مُتَوَلِّي القطع أمرًا وحكمًا؛ لما في ذلك من الإحسان إلى عبيده عمومًا بإتلاف هذا العضو المؤذي لهم المضرِّ بهم، فهُو محمودٌ على حكمه بذلك، وأمرِه به، مشكورٌ عليه، يستحقُّ عليه الحمدَ من عباده والثَّناء عليه والمحبَّة.

وكذلك الحكم يقتل من يصولُ عليهم في دمائهم وحُرُماتهم، وجَلْد من يصولُ عليهم في أعراضهم، فإذا كان هذا عقوبةَ من يصولُ عليهم في دنياهم فكيف عقوبةُ من يصولُ عليهم في (٢) أديانهم ويحولُ بينهم وبين الهدى الذي بعث الله به [(٣) رسلَهُ، وجعل


(١) تقدم الكلام عليهما.
(٢) (ظ ود): "على أديانهم".
(٣) سقطت (الورقة ١٧٤) من (ق) وهي من قوله: "رسله ... " إلى قوله: "فما أحوج القلوب" ص/ ٧٢٤.