أفليس في عقوبة هذا الصَّائل خيرٌ محضٌ وحكمةٌ وعدلٌ وإحسان إلى العبيد؟! وهي شرٌّ بالنسبة إلى الصائل الباغي، فالشرُّ ما قام به من تلك العقوبة، وأما ما نُسِبَ إلى الربِّ منها من المشيئة والإرادة والفعل فهو عينُ الخير والحكمة، فلا يغْلُظْ حجابُك عن فهم هذا النبأ العظيم، والسِّرّ الذي يُطْلعكَ على مسألة القَدَر، ويفتحُ لك الطريقَ إلى الله ومعرفة حكمته ورحمته وإحسانه إلى خلقه، وأنه سبحانه كما أنه البَرُّ الرحيم الودودُ المحسنُ، فهو الحكيم الملك العدل، فلا تناقض حكمتُهُ رحمتَهُ، بل يضعُ رحمتَهُ وبِرَّهُ وإحسانَهُ موضِعَهُ، ويضعُ عقوبَتَهُ وعدلَه وانتقامَه وبأسَهُ موضعَه، وكلاهما مقتضى عِزَّتِهِ وحكمته وهو العزيز الحكيم، فلا يليق بحكمته أن يضعَ رضاه ورحمته موضعَ العقوبة والغضب، ولا يضعُ غضبَه وعقوبتَه موضع رضاه ورحمته، ولا يلتفتُ إلى قول من غَلُظ حجابُه عن الله تعالى: إن الأمرين بالنسبة إليه على حدٍّ سواء، ولا فرْقَ أصلًا، وإنما هو محض المشيئة بلا سبب ولا حكمة.
وتأمل القرآن من أوله إلى آخره، كيف تجدُه كفيلاً بالرَّدِّ على هذه المقالة، وإنكارها أشدَّ الإنكار، وتنزيه نفسه عنها، كقوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)} [القلم: ٣٥ - ٣٦] وقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٢١)} [الجاثية: ٢١] وقوله: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨)} [ص: ٢٨] فأنكر سبحانه على من