للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسوله، كلما قال تعالى: {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (٥٥)} [الفرقان: ٥٥] وقال: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف: ٥٥].

فتأمل ما تحتَ هذا الخطابِ الذي يسلبُ الأرواحَ حلاوةً وعقابًا (١) وجلالة وتهديدًا، كيف صدّره بإخبارنا أنه أمر إبليسَ بالسجود لأبينا، فأبى ذلك، فطرده ولعنه وعاداه من أجل إبائه عن السجود لأبينا، ثم أنتم توالونه من دوني وقد لعنتُه وطردتُه؛ إذ (٢) لم يسجدْ لأبيكم، وجعلته عدوًّا لكم ولأبيكم فواليتموه وتركتموني، أفَلَيْس هذا من أعظم الغَبْن وأشدِّ الحسرة عليكم؟ ويوم القيامة يقول تعالى: أليس عدلاً مني أن أوَلِّيَ كلَّ رجل منكم ما كان يَتَوَلَّى في دار الدنيا، فليعْلمَنَّ أولياءُ الشيطان كيف حالهم يوم القيامة إذا ذهبوا مع أوليائِهم وبقي أولياءُ الرحمن لم يذهبوا مع أحد فيتجلَّى لهم، ويقول: "أَلا تَذْهَبُونَ حَيْثُ ذَهَبَ النَّاسُ؛ فَيَقُولونَ: فَارَقْنَا النَّاسَ أَحْوَجَ ما كُنَّا إِلَيْهِمْ، وإِنَّما نَنْتَظِرُ رَبَّنَا الّذِي كُنّا نَتَوَلَاّهُ وَنَعْبُدُهُ فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ عَلامَةٌ تَعْرِفُونَهُ بِها؟ فَيَقُولُونَ: نَعَم إِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ، فَيَتَجلَّى لَهُمْ وَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ فَيَخِرُّون لَهُ سُجَّدًا" (٣).

فيا قرَّةَ عيون أوليائه بتلك الموالاة، ويا فَرَحَهُمْ إذا ذهب الناس مع أوليائهم وبقُوا مع مولاهم الحق، فسيعلمُ المشركون به الصَّادُّون عن سبيله أنهم ما كانوا أولياءَهُ، إنْ أولياءُهُ إلَّا المُتَّقُون، ولكن أكثرهم لا يعلمون.


(١) كذا، ولعلها: عتابًا.
(٢) (ظ ود): "إن".
(٣) قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري رقم (٧٤٣٩)، ومسلم رقم (١٨٣) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- بنحوه.