للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عام، وقد قال أكثرُ المفسرين: إنه الليل. قال عبد الله بن عباس: الليلُ إذا أقبلَ بظلمته من الشَّرق، ودخل في كلِّ شيء وأظلمَ (١)، والغَسَقُ: الظُّلْمَةُ. يقال: غَسَقَ اللَّيْلُ، وأغْسَقَ: إذا أظلم، ومنه قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: ٧٨].

وكذلك قال الحسنُ ومجاهد: الغاسق إذا وقب: الليل إذا أقبل ودخل، والوُقوب: الدخولُ، وهو دخولُ اللَّيل بغروب الشمس، وقال مقاتل: يعني ظُلْمَةَ اللَّيل إذا دخل سوادُه في ضوء النهار. وفي تسمية الليل غاسِقًا قولٌ آخرُ: إنه من البَرْد، والليل أبردُ من النهار، والغَسَق: البَرْدُ، وعليه حَمَل ابن عباسٍ قوله تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧)} [ص: ٥٧] وقوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥)} [النبأ: ٢٤ - ٢٥] قال: هو الزمهريرُ يحرقُهم ببرده كما تحرقهم النار بحرها. وكذلك قال مجاهد ومقاتل: هو الذي انتهى برْدُهُ (٢).

ولا تنافيَ بين القولين: فإن الليلَ باردٌ مظلم، فمن ذكر بردَهُ فقط أو ظلمته فقط، اقتصر على أحد وصفيه، والظلمةُ فِي الآية أنسبُ لمكان الاستعاذة، فإن: الشَّرَّ الذي ينشأ بسبب (٣) الظلمةَ أوْلى بالاستعاذة من البَرْد الذي في الليل، ولهذا استعاذ بربِّ الفلق الذي هو الصبْحُ والنور، من شرِّ الغاسق الذي هو الظُّلمة، فناسبَ الوصفُ المستعاذ به للمعنى المطلوب بالاستعاذة، كما سنزيدُه تقريرًا عن قريب إن شاء الله.


(١) انظر: "تفسير الطبري": (١٢/ ٧٤٨ - ٧٤٩).
(٢) انظر "تفسير الطبري": (١٠/ ٥٩٩)، و"الدر المنثور": (٥/ ٥٩٤) آية (ص)، و"الطبري": (١٢/ ٤٠٧)، و"الدر": (٦/ ٥٠٣) آية (النبأ).
(٣) (ظ ود). "يناسب".