للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فما تقولونَ فيما رواه التِّرمذي (١) من حديث ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سَلَمَةَ، عن عائشة قالت: "أخذَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيدي فنظر إلى القمر فقال: "يا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي باللهِ منْ شَرِّ هَذا، فَإِنَّ هَذا هُوَ الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ" (٢). قال التِّرْمِذِيُّ: "هَذا حديث حسن صحيح"، وهذا أولى من كلِّ تفسير فيتعيَّنُ المصرُ إليه؟.

قيل: هذا التفسيرُ حقٌّ، ولا يناقضُ التفسيرَ الأوَّلَ بل يوافقُهُ ويشهدُ بصحَّتِهِ، فإنَّ الله تعالى قال: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: ١٢] فالقمر هو آيةُ الليلِ وسلطانُه، فهو أيضًا: غاسقٌ إذا وَقَبَ، كما أن اللَّيلَ غاسِقٌ إذا وقب، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن القمر بأنه غاسق إذا وقب، وهذا خبر صدق، وهو أصدقُ الخبر، ولم ينفِ عن اللَّيل اسمَ الغاسق إذا وَقَبَ، وتخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - له بالذِّكر لا ينفي شمولَ الاسم لغيره.

ونظير هذا قوله في المسجد الذي أُسِّس على التَّقْوى، وقد سُئِل عنه فقال: "هُوَ مَسْجِدِي هذا" (٣) ومعلومٌ أن هذا لا ينفي كونَ مسجدِ قُباءٍ مؤسَّسًا على التقوى، [بل ثبت أن مسجده أحق بالدخول في هذا الاسم، وأنه أحق بأن يكون مؤسسًا على التقوى] (٤) من ذاك.


(١) (ق): "في جامعه".
(٢) أخرجه الترمذي رقم (٣٣٦٦)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (٣٠٥)، وأحمد (٦/ ٦١ ومواضع أخرى)، والحاكم (٢/ ٥٤٠) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
والحديث قال فيه الترمذي "حسن صحيح"، وصححه الحاكم، وحسنه الحافظ في "الفتح": (٨/ ٦١٣).
(٣) أخرجه مسلم رقم (١٣٩٨) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
(٤) ما بين المعكوفين من (ق).