للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّوْس، وأصل نَاسَ: (نوَسَ) تحركت الواو وقبلها فتحة فصارت ألفًا، هذان هما القولان المشهوران في اشتقاق "الناس".

وأما قول بعضهم: إنه من النِّسيان، وسُمِّي الإنسانُ إنسانًا لنسيانه، وكذلك الناس سُمُّوا ناسًا لنسيانهم؛ فليس هذا القولُ بشيءٍ! وأين النسيانُ الذي مادَّته (ن س ي) إلى الناس الذي مادَّتُهُ (ن وس)؟ وكذلك أين هو من الأُنس الذي مادته (أن س)؟ وأما إنسانٌ فهو "فِعْلان" من (أن س)؟ والألف والنون في آخره زائدتان، لا يجوزُ فيه غيرُ هذا ألبتَّةَ، إذ ليس في كلامهم أَنْسَنَ (١) حتى يكونَ إنْسَانٌ إفعالًا منه، ولا يجوزُ أن يكون الألفُ والنونُ في أوَّله زائدتينِ، إذ ليس في كلامهم "انْفَعْلٌ" فيتعيَّن أنه "فِعْلانٌ" من الإنس، ولو كان مشتقًّا من (نَسِيَ) لكان نِسْيانًا لا إنسانًا.

فإن قلت: فهلَاّ جعلته "إفْعِلالًا"، وأصله: إِنْسِيَان كـ "ليلة إِضْحِيَان"، ثم حذفتَ الياء تخفيفًا فصار إنسانًا؟

قلت: يأبى ذلك: عدمُ "إفْعِلال" فى كلامهم، وحذفُ الياء بغير سبب، ودعوى ما لا نظير له، وذلك كلُّه فاسد، على أن (الناس) قد قيلَ: إن أصله (الأُنَاسُ) فحُذفت الهمزة، فقيل: (النَّاسُ)، واستدل يقول الشاعر (٢):

إنَّ المَنَايا يَطَّلِعْـ ... نَ على الأُنَاسِ الغَافِلينا

ولا ريب أن (أُناسًا) فُعَالٌ، ولا يجوزُ فيه غير ذلك ألبَتَّةَ، فإن


(١) (ق وظ ود): "أنس".
(٢) هو: ذو جدن الحميري، انظر: "الخزانة": (٢/ ٢٨٠)، و"الخصائص": (٣/ ١٥١) وفيها: "الآمنينا".