للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان أصلُ ناس أُناسًا (١)، فهو أقوى الأدلة على أنه من (أن س) ويكون الناسُ كالإنسان سواء في الاشتقاق، ويكون وزن ناس على هذا القول: (عال)؛ لأن المحذوفَ فاؤهُ، وعلى القول الأول يكونُ وزنه: "فَعْلٌ"؛ لأنه من النَّوْس، وعلى القول الضعيف يكون وزنه "فَلْع"، لأنه من (نَسِي)، فقلبت لامُه إلى موضع العين فصار ناسًا ووزنه "فَلْعًا".

والمقصودُ أن الناسَ اسم لبني آدم، فلا يدخلُ الجنُ في مسمَّاهم، فلا يِصحُّ أن يكونَ {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)} بيانًا لقوله: {فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥)} هذا واضحٌ لا خفاءَ به.

فإن قيل: لا محذورَ فى ذلك، فقد أُطْلِق على الجن اسم الرجال، كما في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: ٦] فإذا أطلق عليهم اسم الرجال، لم يمتنع أن يُطْلَق عليهم اسم الناس.

قلت؛ هذا هو الذي غَرَّ من قال: إن الناس اسم للجن والإنس في هذه الآية. وجواب ذلك: أن اسم الرجال إنما وقع عليهم وقوعًا مقيَّدًا في مقابلة ذكر الرجال من الإنس، ولا يلزمُ من هذا أن يقعَ اسمُ الناس والرجال عليهم مطلقًا، وأنت إذا قلت: "إنسانٌ من حجارة"، أو "رجلٌ من خشب"، ونحو ذلك، لم يلزمْ من ذلك وقوع اسم الرجل والإنسان عند الإطلاق على الحجر والخشب.

وأيضًا: فلا يلزمُ من إطلاق اسم الرجل على الجنِّي أن يُطلقَ عليه اسم الناس، وذلك لأن الناسَ والجِنَّةَ متقابلان، وكذلك الإنس


(١) (ع وظ ود): "إنسانا".