للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجن، فالله تعالى يقابلُ بين اللفظين، كقوله: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الرحمن: ٣٣] وهو كثير في القرآن، وكذلك قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)} (١) [الناس: ٦] يقتضي أنهما متقابلان، فلا يدخلُ أحدُهما في الآخر، بخلاف الرجال والجنِّ فإنهما لم يستعملا متقابلينِ، فلا: يقال: الجنُّ والرجال، كما يقال: الجن والإنس، وحينئذٍ فالآية أبْيَنُ حُجَّةٍ عليهَم في أن الجنِّ لا يدخلون في لفظ الناس؛ لأنه قَابَلَ بين الجنة والناس، فعُلِم أن أحدَهما لا يدخلُ فِي الآخر، فالصَّواب القولُ الثاني، وهو أن قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)} بيان للذي يوسوسُ، وأنهما نوعان: إنسٌ وجنٌّ، فالجِنِّيُّ يوسْوِسُ في صدور الإنس، والإنسي أيضًا يوسوسُ إلى الإنسي.

فالموسوِسُ نوعان: إنسٌ وجنٌّ، فإن الوسوسة هي الإلقاءُ الخفيُّ في القلب، وهذا مشترك بين الجن والإنس، وإن كان إلقاءُ الإنسي ووسوسته إنما هي بواسطة الأُذُن، والجِنِّيُّ لا يحتاج إلى تلك الواسطة؛ لأنه يدخل فِي ابن آدمْ ويجري منه مجرى الدم.

على أن الجنيَّ قد يتمثَّلُ له ويوسوسُ إليه في أذنه كالإنسيِّ، كما: في "البخاري" عن عُرْوَةَ، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إِنَّ المَلائِكةَ تُحَدِّثُ فِي العَنَانِ، -والعَنَانُ: الغَمَامُ- بالأمْرِ يَكُونُ فِي الأرْضِ، فَتَسْتَمعُ الشَّيَاطينُ الكَلِمَةَ فَتَقُرُّها فِي أُذُنِ الكَاهِنِ كَمَا تَقُرُّ القَارُورَةُ فَيَريدُونَ مَعَها مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِهِمْ" (٢) فهذه وسوسة وإلقاء من الشيطان بواسطة الأذن.


(١) من قوله: "وهو كثير ... " إلى هنا ساقط من (ع).
(٢) أخرجه البخارى رقم (٣٢١٠ و ٣٢٨٨)، ومسلم رقم (٢٢٢٨). وقوله: "من عند أنفسهم" ليست في (ق وع).