للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس، فإنَّ الشيطانَ إنما يتسلَّطُ على ابن آدَمَ وينالُ منه غَرَضهُ من هذه الأبواب الأربعة، فإن فضولَ النظر يدعوه إلى الاستحسانِ، ووقوع صورةِ المنظور إليه في القلب، والاشتغالِ به، والفكرةِ في الظَّفَرِ به، فمبدأُ الفتنة من فضول النظر، كما في "المسند" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُوٌم مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ، فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ للهِ أوْرَثَهُ اللهُ حَلاوَةً يَجِدُها في قَلْبهِ إلى يَوْمِ يَلْقَاهُ" (١)، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -. فالحوادث العِظَام إنما كلُّها من (٢) فضول النظر، فكم نظرة أعقبت حَسَرات لا حَسْرة، كما قال الشاعر (٣):

كلُّ الحوادثِ مَبْدَاها من النَّظَرِ ... ومُعْظمُ النَّار من مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ

كم نظرةٍ فَتَكَتْ في قلب صاحِبها ... فَتْكَ السِّهام بلا قَوْس ولا وَتَرِ

وقال الآخر (٤):

وكنتَ متى أرسلتَ طَرْفَكَ رائدًا ... لقلبِكَ يومًا أتعبتْكَ المناظرُ


(١) أخرجه الحاكم: (٤/ ٣١٣)، والقضاعي في "مسند الشهاب": (١/ ١٩٥) من حديث حذيفة -رضي الله عنه-. ولم أجده في "المسند" بهذا اللفظ، ولكن فيه (٥/ ٢٦٤) من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف ما يوافق شطره الأخير.
وصححه الحاكم، وتعقبه المنذري في "الترغيب: ٣/ ٢٣" بأن فيه عبد الرحمن ابن إسحاق الواسطي واهٍ.
وأخرجه الطبراني في "الكبير": (١٠/ ١٧٣) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- وضعفه الهيثمي في "المجمع": (٨/ ٦٦).
(٢) "إنما كلها من" ليست في (ظ ود) ووقع في (ع): "جعلها" بدلًا من "كلها".
(٣) ذكره المؤلف في "روضة المحبين": (ص / ٩٧)، و"الداء والدواء": (ص / ٢٢٤) بلا نسبة مع زيادة بيتين.
وقد وقع في ترتيب الأبيات وقائليها اضطراب في نسخة (ع).
(٤) البيتان بلا نسبة في "حماسة أبي تمام": (٢/ ١٥)، وذكرها المؤلف في "روضة المحبين": (ص/٩٧) على لسان جارية في حكاية للأصمعي.