للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فُسِّر الدلوك بالزوال، وفُسِّرَ بالغروب، وحُكيت قولان في كتب التفسير (١)، وليسا بقولين، بل اللفظ يتناولُهُما معًا، فإن الدُّلوكِ هو المَيْل، ودلوكُ الشمس مَيْلُها، ولهذا الميل مَبْدأ ومُنْتَهى، فمبدَؤه الزَّوال ومنتهاه الغُروب، فاللَّفظ متناولٌ لهما بهذا الاعتبار، لا بتناولِ المشتركِ لمعنييه، ولا اللفظ لحقيقته ومجازه.

ومثالُه -أيضًا- ما تقدَّم (٢) من تفسير (الغاسق) باللَّيل والقمر، وأن ذلك ليس باختلاف، بل يتناولُهما لتلازمهما، فإنَّ القمرَ آيةُ الليل، ونظائرهُ كثيرةٌ.

ومن ذلك: قوله عز وجل: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرفان: ٧٧]، قيل: لولا دعاؤُكم إياه، وقيل: دعاؤُه (٣) إيَّاكم إلى عبادته، فيكون المصدر مضافًا إلى المفعول، وعلى (٤) الأول مضافًا إلى الفاعل، وهو الأرجحُ من القولينِ، وعلى هذا فالمُرادُ به نوعا الدعاء، وهو في دعاء العبادة أظهرُ، أي: ما يعبأُ بكم لولا أنكم تعبدونه، وعبادتُهُ تستلزمُ مسألَتَهُ، فالنوعانِ داخلان فيه.

ومن ذلك: قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠] فالدعاءُ هاهنا يتضمَّنُ النوعين، وهو في دعاء العبادة أظهرُ، ولهذا عقَّبه بقوله (٥): {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)}، وفُسِّر الدعاء في الآية بهذا وبهذا،


(١) انظر "تفسير الطبري": (٨/ ١٢٢ - ١٢٥).
(٢) (٢/ ٧٢٩).
(٣) العبارة مضطربة في النسخ، والمثبت من (ع).
(٤) (ق وظ ود): "ومحل".
(٥) من قوله: "فالدعاء ... " إلى هنا ساقط من (ع).