للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالث: أنهم إنما كانوا يعبُدُونها ويتقرَّبون بها إلى الله، فإذا جاءتهم الحاجاتُ والكُرباتُ والشدائدُ دَعَوُا اللهَ وحدَه وتركوها، ومع هذا فكانوا يسألونها بعضَ حوائجهم، ويطلبون منها، فكان دعاؤُهم لها دعاءَ عبادةٍ ودعاءَ مسألة.

وقوله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: ١٤] هو دعاءُ العبادة، والمعنى: اعبدوه وحدَه وأخلصوا عبادَتَهُ، لا تعبُدوا معه غيرَهُ.

وأما قول إبراهيمَ الخليل - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٩)} [إبراهيم: ٣٩] فالمرادُ بالسمع هنا السمع الخاص، وهو سمعُ الإجابة والقبول (١) لا السَّمع العام، لأنه سميعٌ لكلِّ مسموع، وإذا كان كذلك فالدّعاء هنا يتناولُ دعاءَ الثنَّاء (٢) ودعاءَ الطَّلَب، وسَمْع الرَّب تبارك وتعالى له إثابته على الثناء، وإجابته للطلب، فهو سميعٌ لهذا ولهذا.

وأما قول زكريا: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤)} [مريم: ٤] فقد قيل: إنه دعاءُ المسألة، والمعنى: أنك عَوَّدتني إجابتكَ وإسعافَك، ولم تُشْقِني بالرَّدِّ والحِرْمان، فهو توسُّلٌ إليه تعالى بما سلف من إجابته له وإحسانه إليه، كما حُكي أن رجلًا سأل رجلًا وقال: أنا الذي أحسنتَ إليَّ وقْتَ كذا وكذا، فقال: مرحبًا بمَنْ تَوَسَّلَ إلينا بنا، وقضى حاجَتَه (٣). وهذا ظاهر هاهنا، ويدلُّ عليه: أنه قدَّم ذلك أمام طلبه الولدَ وجعله وسيلةً إلى ربه، فطلب منه أن يُجْرِيَه على عادته التى عوَّده؛ من قضاء حوائجه وإجابته إلى ما سأله.


(١) ليست في (ق).
(٢) (ظ ود): "العبادة".
(٣) ذكر نحوًا منها ابن خلكان في "وفيات الأعيان": (٢/ ١٢٢)، والأبْشيهي في "المستطرف": (٢/ ١٠٩) على الحسن بن سهل.