للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: ١١٠] فهذا الدعاء المشهور أنه (١) دعاء المسألة، وهو سبب النزول، قالوا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو ربَّه فيقول مرة: "يا الله" ومرة: "يا رحمنُ"، فظن الجاهلون من المشركينَ أنه يدعوْ إلهين، فأنزل الله تعالى هذه الآيةَ.

قال ابن عباس: سمع المشركون النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يدعو في سجوده: "يا رَحْمنُ يا رَحِيمُ"، فقالوا: هذا يزعم أنه يدعو واحدًا وهو يدعو مثنى مثنى، فأنزل الله هذه الآية: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} (٢).

وقيل: إن الدعاء هاهنا بمعنى التَّسمية كقولهم: "دعَوْتُ ولدي سَعِيدًا وادْعُهُ بعَبْدِ الله" ونحوه، والمعنى: سمُّوا الله أو سمُّوا الرحمن، فالدعاء هاهنا بمعنى التسمية، وهذا قول الزمخشريِّ (٣).

والذي حمله على هذا قوله: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، فإنَّ المرادَ بتعدُّدِ معنى "أيِّ" وعمومِها هاهنا تعدُّدُ الأسماء ليس إلا، والمعنى: أيُّ اسم سمَّيتموه به من أسماء الله تعالى، إما الله وإما الرحمن، فله الأسماءُ الحسنى، أي: فللمُسمَّى سبحانه الأسماءُ الحسنى، والضمير في "فله" يعودُ إلى المُسمَّى. فهذا الذي أوجبَ له


(١) من (ع)، و (ق): "بأنه"، و (ظ ود): "وأنه".
(٢) أخرجه الطبري: (٨/ ١٦٥)، وابن مردويه -كما في "الفتح": (١٣/ ٣٧٢) - عنه. قال الحافظ: بسندٍ ضعيف.
وأخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد": (ص / ١٠٠) وابن مردويه -كما في الفتح: ١٣/ ٣٧٢ - عن عائشة -رضي الله عنها- نحوه.
وأخرجه الطبرى: (٨/ ١٦٥) عن مكحول مرسلًا.
(٣) في "الكشاف": (٢/ ٣٧٨).