للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه من العواصف، فإنه إذا أبدى حالَه وشأنه مع الله لِيُقْتَدَى به ويُؤْتَمَّ به لم يُبَالِ. وهذا بابٌ عظيمُ النفع إنما يعرفُهُ أهله.

وإذا كان الدُّعاء المأمورُ بإخفائه يتضمَّن دعاءَ الطلب والثناء والمحبة والإقبال على الله، فهو عن أعظم الكنوز التي هي أحقُّ بالإخفاء والسِّتْر عن أعين الحاسدين، وهذه فائدةٌ شريفة نافعة.

وعاشرها: أن الدعاء هو ذكرٌ للمدعوِّ سبحانه، متضمِّنٌ للطَّلَب منه والثناء عليه بأسمائه وأوصافه، فهو ذِكْر وزيادة، كما أن الذكر يسمَّى دعاءً لتضمُّنه الطَّلَبَ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمدُ للهِ" (١) فسمَّى "الحمدُ لله" دعاءً، وهو ثناء محضٌ؛ لأن الحمد يتضمَّنُ الحبَّ والثناء، والحبُّ أعلى أنواع الطلب للمحبوب، فالحامدُ طالب لمحبوبه، فهو أحقُّ أن يسمَّى داعيًا من السائل الطالب من ربِّه حاجةً ما، فتأمَّلْ هذا الموضعَ ولا تحتاج إلى ما قيل: إن الذاكرَ متعرِّضٌ للنوال، وإن لم يكن مصرِّحًا بالسؤال، فهو داعٍ بما تضمَّنَهُ ثناؤُه من التَّعَرُّض، كما قال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت (٢):

أَأَذْكُرُ حاجَتِي أمْ قدْ كَفَانِي ... حَيَاؤُكَ إنَّ شِيْمَتَكَ الحَيَاءُ

إذا أَثْنَى عَلَيْكَ المَرْءُ يَوْمًا (٣) ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّناءُ


(١) أخرجه الترمذي رقم (٣٣٨٣)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (٨٣٧)، وابن ماجه رقم (٣٨٠٠)، وابن حبان "الإحسان": (٣/ ١٢٦)، والحاكم: (١/ ٤٩٨) وغيرهم من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.
قال الترمذي: "حسن غريب" كما في "التحفة": (٢/ ١٩٠)، وصححه ابن حبان والحاكم، وأقره الذهبي.
(٢) البيتان في "حماسة أبي تمام": (٢/ ٣٩٥).
(٣) في "الحماسة": (٢/ ٣٩٦): "خيرًا".