"جالِل وعازِز وذالِل"، فأتوا بفَعِيل مفصولًا فيه بين المِثْلَين بالياء الساكنة، ولمْ يأتوا في هذا بفعول؛ لأن فعيلًا أخف منه، ولِخفَّتِهِ أيضًا اطَّرد بناؤُه من "فَعُلَ" كشريف وظريف، وجميل ونَبِيل، وليس لـ "فعوِل" بناءٌ يطَّرِدُ منْه، ولخفَّته أيضًا كان في أسماء اللهَ تعالى أكْثَرُ من "فَعُول" فإن الرحيم والقَدير والحَسيب والجَليل والرَّقيب ونظائره أكثر من ألفاظ الرَّؤوف والغَفور والشَّكور والصَّبور والوَدود والعَفُوُّ، ولا يُعرفُ إلا هذه الألفاظ الستة.
وإذا ثبتَ التشابُهُ بين "فَعِيل وفَعُول" فيما ذكرنا، وكانوا قد خَصُّوا "فعولًا" الذي بمعنى فاعل بتجريده من التاء الفارقة بين المذكر والمؤنث، وشرَّكوا بينهما في لفظ المذكر، فقالوا:"رجل صبورٌ وشَكور"، و"امرأة صَبُورٌ وشكور" ونظائرهما، وأما "عدوٌّ وعدوَّةٌ" فشاذٌّ.
فإن قصد بالتاء المبالغة لحقت المذكر والمؤنث كـ:"رَجُلٍ مَلُولَةٍ وفَروقَةٍ" وامرأة كذلك: وإن كان فعول في معنى مفعول لحقته التاء في المؤنث كـ: "حَلُوبة ورَكُوبة".
فإذا تقرَّر ذلك فـ "قريب" في الآية هو فعيل بمعنى فاعل، وليس المرادُ أنه بمعنى قارب، بل بمعنى اسم الفاعل العام، فكان حقَّه أن يكون بالتاء، ولكنهم أجْرَوْه مجرى: فَعِيل بمعنى مفعول، فلم يُلحقوه التاء، كما جرى فعيل بمعنى مفعول مجرى فعيل بمعنى فاعل في إلحاقه التاء، كما قالوا:"خَصْلَةٌ حَمِيدَةٌ وفَعْلَة ذَمِيمَةٌ"، بمعنى: محمُودة ومَذْمُومة، فحملًا على:"جَمِيِلة وشَرِيفة" في لحاق التاء فحملوا "قريبًا" على: "امرأة قتِيلٍ وكفٍّ خَضِيب وعين كَحِيل" في عدم لحاق التاء، حمْلًا لكل من البابينِ على الآخر.